الملفات عديدة وثقيلة بين يدي سعد الحريري، ومنها، ملف استعادة المال المنهوب، وملف الدعم، وملف المرفأ، وملف الليرة وهبوطها، وملف وزارة المطلوب منها أن لايكون لحزب الله مقعدًا فيها وهو الحزب الذي يضع يده فوق لبنان كل لبنان.
والخصوم كثيرون بدءًا من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرورًا بالصهر جبران باسيل، وصولاً لبيت الحريري، حيث استفاق “بهاء” من البزنس، ليذهب إلى ماراتون السياسة، وليس من الوارد نسيان التشققات في تيار المستقبل ومثالها اللواء ريفي ونهاد ىالمشنوق.
أما عن أصدقاء سعد على المستوى اللبناني، فليسوا بأصدقاء الطريق الطويل، فلم يحدث أن استقر وليد جنبلاط على منام إلا وأفاق أصحابه على كابوس، وإذا جاء الكلام عن نبيه بري، فنصفه عند حزب الله، والنصف الثاني في “كازيات” بري المنتشرة في الولايات المتحدة وفي نصف لبنان، وبقية حلفاء الحريري من 14 أيار، لم يبق لهم 14 أيار، فقد تمزقوا ما بين القوات والكتائب وثوار 17 تشرين.
والحريري :
ـ يا وحده.
ياوحده ومع كل تلك الملفات، فإن فشل في معالجتها انتهت حياته السياسية، كما زعامته في بعدها السني.
ولكي ينجح، ثمة ألف بحصة في الفم وألف عثرة في الطريق.
لينجح لابد من دعم خليجي، وسعودي على وجه التحديد، و (الربع) في السعودية ليسوا راضين عن الحريري الابن، بعد أن كان الحريري الأب من أهل البيت، ولا أحد يعلم على وجه الدقة والتحديد ما الذي جعلهم غاصبين من سعد، أو منكفئين عن دعمه، وفي أحسن الحالات صامتين عن مآزقه، وهاهم صامتون، ومقاطعون، ولابد منشغلين بما يتجاوز لبنان كل لبنان، فانشغالاتهم تمتد من صفقة القرن، إلى الملف الإيراني، إلى حرب اليمن، ولبنان لابد وأن يكون مادة ثانوية في منهاج السعوديين، فإن تفرجوا فليس بالأمر العسير، وإن خرج لبنان من مأزقه بلا يدهم وهي تمتد عونًا فلابأس، وإن غرق لبنان ومعه الحريري، فلن يضير الأمر المملكة، فحروب المملكة متعددة ومتشعبة، ولبنان لن يزرع لها شوكًا ولن يحصد من طريقها الأشواك.
فمن بقي لسعد وهو يشكل وزارة، كل يدعي أمومتها حتى لم يعد يعرف من ستكون أمها مع تعدد الأمهات، وهن من فصيلة أمهات “دائرة الطباشير القوقازية” التي كتبها برتولد بريخت، والتي تعني المضي في تشقيف الوليد؟
وحدهم الفرنسيون وقد باتوا (حديدان في الميدان)، يشتغلون على العثور على صيغة لوزارة لبنانية، لايراهنون على أنها ستنقذ لبنان من الانهيار ولكن يسعون لتكون حكومة توقف المزيد من الانهيار، ولهذا فقد فتحوا بوابة الاليزيه لسعد الحريري وفي الوقت نفسه لجبران باسيل، علّهم يوصلون الرجلين إلى قواسم مشتركة ما، تفسح الطريق لتشكيل وزارة في لبنان برئاسة الحريري.
جبران باسيل وحماه ميشال عون، منذ البداية لايريدون سعد الحريري، وحين فرضه البرلمان، فرضا بدورهما على البرلمان لعبة التعطيل، والحجج كثيرة وليس أوقحها الكيمياء المفقودة ما بين الرئيس والرئيس، حتى بدت الدولة مخبرًا للكيمياء أكثر مما هي دولة إدارة وقيادة وتحديات.
ـ واليوم؟
الكلام يدور حول فؤاد مخزومي، ليكون رئيس الوزراء المكلف بعد أن ينهك سعد الحريري ويلقي بورقة تكليفة في الجارور، فالفريق الحاكم في لبنان، يشتغل بالظفر والناب لدفع الحريري إلى الاعتذار عن تشكيل الحريري الحكومة عبر وضع كل العراقيل في طريقه، والوصول إلى شخصية سنية بديلة، ربما أبرز سماتها أنها شخصية “طيعة”، والأنظار تتجه إلى فؤاد مخزومي.
المعلومات ومن مصادر جدية في لبنان، تحكي عن “شراء مخزومي لنفسه ورقة رئيس وزارة” من الرئيس ميشال عون، وهكذا فالعهد العوني الذي يعرقل بوضوح مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل الحكومة، وهو اليوم يلعب ورقة مخزومي كرئيس للحكومة، بعدما نجح سابقا في لعب ورقة حسان دياب الذي أحرقته وأحرقت حكومته نيران انفجار مرفأ بيروت، ناهيك عن الفشل في العبور بلبنان إلى شاطئ الأمان الاقتصادي والمالي والاجتماعي.
لمخزومي ملفات واسعة، ليس من بينها ملف واحد يقول بأنه رجل إطفاء حرائق، أو رجل (لزوم ما يلزم) في بلد يلزمه الكثير، فأبرز سماته ماحملته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية وقد أشارت في تقرير سابق لها إلى أن زوجة الثري اللبناني مخزومي، والذي وصفته الصحيفة بأنه “تاجر أسلحة سابق” تبرّعت بمليون جنيه إسترليني في العام 2010 لقيادة حزب المحافظين برئاسة ديفيد كاميرون.
في خبر الديلي ميل، صفتان للرجل:
ـ زوجة فاعلة خير وزوج تاجر سلاح.
القدرة المالية لمخزومي، حسب ما يقول الساسة اللبنانيون من أهل بيروت، مكّنته من استغلال الناخبين لـ”شراء” أصواتهم، فحقق خرقا لمعظم “اللوائح” التي رفض رؤساؤها ضمه إليها.
فجّرت شبكة “ميديا بارت”، رائدة الصحافة الاستقصائية الإلكترونية في فرنسا، فضيحة مالية ساخنة تضاف إلى السيرة التي تلاحق مرشح اليمين والوسط إلى انتخابات الرئاسة الفرنسية، فرنسوا فيون حيث كشفت أن الأخير ارتبط بصفقة مالية غامضة ومثيرة للجدل مع رئيس حزب “الحوار الوطني” اللبناني مخزومي.
ووفقا لما نشرته الشبكة، وعادت وأكّدته صحيفة “لو كانار أنشينيه” في تقرير لاحق، فإن شركة للاستشارات المالية أسسها فيون عام 2012، أبرمت عقدا تحيط به شبهات فساد قوية مع “شركة المستقبل للأنابيب” التي يملكها مخزومي ومقرها دبي، تقاضى فيون بموجبه مبلغ 50 ألف دولار أميركي بغرض تدبير لقاءات بين مخزومي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التنفيذي لشركة توتال الفرنسي باتريك بويانيه ورجال أعمال كبار وصنّاع سياسات روس وجزائريين وغابونيين وعاجيين وفرنسيين.
وفي التفاصيل فإنّ فيون وقّع على العقد السري عندما كان نائبا عن باريس، فدبّر لقاء مخزومي ببوتين وبويانيه على هامش منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي في 19 يونيو من العام 2015. وفي السياق نفسه، لفتت صحيفة “لو موند” إلى أنّ فيون تقاضى 22 ألفا و500 يورو مقابل كل لقاء، فقبض المبلغ الأوّل في صيف العام 2015 والثاني في أوائل العام 2016، بهدف مساعدة مخزومي على “توسيع نفوذه” في فرنسا وعدد من البلدان الأخرى.
غير أن فيون تفادى الحديث عن علاقاته المالية بمخزومي، حيث تستّر على صلات شركته بشركة مخزومي، ما دفع “لو موند” إلى اعتبار أن إخفاء فيون ارتباطاته المالية بمخزومي زاد من الشبهات التي تحيط بالعقد الغامض الذي وقّعه مع شركة الأخير.
“ميديا بارت” وقد نشرت ما سبق، ادهشتها الخفة التي تعامل بها فيون في هذه القضية. فهو كان قد أعلن ترشحه رسميا للرئاسة الفرنسية عندما تعاقد مع شركة مخزومي ولم يكن يخفى عليه أن “مخزومي شخصية مثيرة للجدل، حيث سبق أن أثيرت حوله شبهات تمويل غير شرعي لحساب حزب المحافظين في بريطانيا. كما أنه تسبب في عام 1995، في استقالة وزير الدفاع البريطاني جوناثان أيتكين، وسجنه لاحقا، على خلفية صفقة سلاح مشبوهة”.
كلام الديلي ميل، سيكرره زير الداخلية اللبناني الأسبق نهاد المشنوق وهو يتهم مخزومي بالضلوع في تجارة السلاح، ويضيف “إن أكبر دليل على ذلك ما جاء في الكتاب الذي صدر حول وزير مالية بريطانيا سابقا جوناثان أيتكين، بعد سجنه واعترافه”.
وفي هذا الوقت العصيب الذي يمرّ به لبنان وفيما يسعى الرئيس الحريري إلى تشكيل حكومة تنفّذ أجندة الإصلاحات “الماكرونية” التي قد تكون بارقة الأمل الوحيدة والأخيرة لإنقاذ لبنان، يواجه من قبل الرئيس عون وصهره جبران باسيل بشتى أنواع العراقيل التي تجعل من مهمته في غاية الصعوبة إن لم تكن مستحيلة، على أمل “عوني” بدفعه إلى الاعتذار ليخلو للفريق الحاكم بالتالي الطريق أمام اختيار شخصية سنّية.
شخصية سنية مواصفاتها:
ـ أولاً “طيّعة” على نمط الرئيس حسان دياب.
وثانيًا فاسدة، ومخزومي على القياس.
وإذا ما تحقق لهم ذلك فمن خلال هكذا شخصية سيتمكنون من وضع اليد بشكل كامل على البلد أو ما تبقى منه، هذا إن بقي، ولمَ لا تكون هذه الشخصية مخزومي، وهو الذي سبق أن أعلن في مقابلات صحافية عديدة أنه جاهز لتولي مثل هذه المهمة؟