مدارس دينية، حوزات، مراكز تشييع، وغزو ثقافي، كان هو آخر سياسات الحرب الناعمة التي تشنها إيران داخل المجتمع السوري، بعد سنوات من الحرب العسكرية التي أزهقت أرواح الملايين على مدار 9 سنوات، لم توفر خلالها البندقية الإيرانية ولا رصاصة واحدة، دعماً لمشروعها في الشرق الأوسط عبر تعزيز سلطة نظام “بشار الأسد”.
ووفق تقارير إعلامية ومنظمات حقوقية سورية، فإن الحرب الناعمة الإيرانية في سوريا، تعتمد على سياسة نشر المذهب الشيعي في سوريا، من خلال تطوير وإنشاء المراكز التي تٌعرف باسم الحسينيات، ونشر اللغة الفارسية، وإنشاء المدراس التي تبث أفكار ولاية الفقيه، والتي بدأ انتشارها بشكل واضح منذ ثمانينات القرن الماضي، ما جعل من دمشق، مركزاً للنفوذ الإيراني، بعد أن كان في ما مضى عاصمة لدولة الأمويين، التي يعتبرها النظام الإيراني، واحدة من أشد أعداء العرقية الفارسية، على مدى التاريخ.
النفوذ الإيراني الثقافي والعلمي في سوريا، تزايد خلال سنوات الثورة السورية، بفعل الوجود العسكري الإيراني، حيث تم عقد 11 اتفاقية بين حكومة النظام السوري، والإيرانيين، لتسهيل مهمة الغزو الثقافي للمجتمع العربي هناك، تحت مسمى تبادل الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والأكاديمية والتعليمية، الأمر الذي سيمكن إيران من نشر أفكارها بين طلاب المدارس والسيطرة على المدارس السورية، في تكرار واضح للتجربة الحوثية في اليمن.
وبحسب المخطط الإيراني، فإن نشر اللغة الفارسية بين أبناء الشعب السوري، تمثل أولى وأهم الخطوات، في تمكينها من نشر أفكارها على اعتبار أنه تخلق لغة مشتركة بين الجانبين، تسهل عملية نقل الأيديولوجيا الإيرانية إلى الأدمغة السورية، خاصة لمن هم لم يصلوا إلى سن الجامعة.
ولم يرتبط نشاط إيران في نشر اللغة الفارسية في سوريا، بقيام الثورة، وإنما سبق ذلك بسنوات، حيث تم افتتاح أول قسم للغة الفارسية في جامعة دمشق عام 2005، وذلك بجهود ودعم من المكتب الاستشاري الثقافي والسفاري الإيراني بدمشق، تليها جامعتي حمص وحلب، وتبعها عدد كبير من الجامعات السورية في دير الزور وطرطوس.
إلى جانب ذلك، تم إنشاء أكثر من 40 مدرسة إيرانية خاصة في دمشق وحدها، منتشرة في مناطق التجمعات الشيعية، وفقًا لمركز هارمون للدراسات المعاصرة، وشملت هذه المدارس حوالي 10 مدارس ثانوية تابعة لوزارة الأوقاف الدينية ومعترف بها من قبل وزارة التربية والتعليم في دمشق وحلب واللاذقية وإدلب ودير الزور، وأشهرها مدرسة المحسنية، التي تقوم المدرسة بالوعظ للطلاب السنة وتوفر التسهيلات المالية لأولئك الذين يتحولون إلى المذهب الشيعي.
ولم يتوقف المد الفارسي في سوريا عند هذا الحد، وإنما أصدر رأس النظام السوري، “بشار الأسد” في عام 2014، مرسوماً بتدريس المذهب الشيعي في المدارس السورية إلى جانب السني، بالإضافة إلى افتتاح أول مدرسة شيعية حكومية في البلاد تحت اسم “الرسول الكبير” في العام نفسه، ولها فروع في مدن سوريا عدة.
وفي محاولة للسيطرة على تفكير الطلاب والأطفال، تم إنشاء ما يسمى بـ “كشافة” المهدي في 2014، وفقاً لما نشره موقع الحرة، وهي تابعة لجمعية الإمام المهدي في مدينة السيدة زينب، وتتركز أغلب مبادئها على غرس المفاهيم الثقافية والدينية وعبارات الثورة الإيرانية في أذهان الأطفال.
أما عن نشر المذهب الشيعي، فإن طهران ووفقاً للتقارير الإعلامية، تتوسع في إنشاء الحسينيات، فقد بلغ عددها في منتصف 2019، نحو 500 حسينية ونحو 69 حوزة شيعية، وتقوم هذه المراكز بتعليم أصول الفقه الشيعي، ما ساهم بتحول نحو 7500 شخص من جنوب وشرق سوريا إلى المذهب الشيعي بنهاية عام 2019.