
مرصد مينا
أثار تقرير حكومي فرنسي حديث، نشرته صحيفة لوفيغارو، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية في البلاد، بعد كشفه عن شبكة واسعة من الجمعيات ومراكز العبادة التي تخضع لتأثير مباشر أو غير مباشر من تنظيم الإخوان المسلمين في فرنسا.
بحسب التقرير، فإن التنظيم يسيطر كلياً أو جزئياً على أكثر من 200 مركز ديني و280 جمعية منتشرة في 55 مقاطعة فرنسية، تنشط في مجالات التعليم والشؤون الدينية والعمل مع الشباب، وتتبنّى خطاباً وصفه التقرير بـ”الانعزالي”، يُهدد الاندماج الاجتماعي ويقوّض مبادئ الجمهورية الفرنسية.
تقرير مشترك يرفع مستوى القلق الأمني والسياسي
أُعد التقرير بطلب مشترك من وزارات الداخلية والخارجية والدفاع الفرنسية، وبمشاركة أجهزة الاستخبارات، ما يعكس حجم القلق الأمني والسياسي المرتبط بتمدد نفوذ التنظيم داخل المجتمع الفرنسي.
ومن المنتظر أن يُعرض التقرير للنقاش على طاولة المجلس الأعلى للدفاع الوطني برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون، وسط توقعات بخروج توصيات صارمة تشمل: حل جمعيات، تشديد الرقابة على التمويلات، إغلاق مدارس دينية غير مرخصة، وتوسيع الإجراءات الأمنية الوقائية.
التمويل الخارجي… ثغرة خطيرة
في هذا السياق، سلّط الباحث في الفلسفة السياسية رامي خليفة العلي، في تصريح له حول هذا التقرير، الضوء على خطورة التمويل الخارجي الذي يتم، وفقاً له، عبر شبكة دولية تضم متعاطفين مع التنظيم في عدة دول، مما يُعقّد مهمة تتبع مصادر الأموال واستخداماتها.
وأشار العلي إلى أن انهيار تنظيم “الإخوان المسلمون” في عدد من الدول العربية دفع التنظيم إلى اتخاذ فرنسا كـ”نقطة تموضع بديلة”، ما يُشكّل تحدياً مزدوجاً للسلطات الفرنسية، “يتمثل في ضرورة الموازنة بين احترام حرية المعتقد ومكافحة النشاط الأيديولوجي المتطرّف الذي يهدد أمن الدولة”.
جدل سياسي داخلي وتنسيق أوروبي خارجي
ورغم أن القانون الفرنسي يتيح للحكومة اتخاذ إجراءات ضد الجمعيات التي تروّج لأفكار متطرفة، إلا أن التدابير الدائمة تتطلب تمرير تشريعات جديدة عبر الجمعية الوطنية الفرنسية، ما قد يُشعل جدلاً سياسياً، خاصة من جانب المعارضة التي تخشى أن تؤثر هذه الإجراءات سلباً على الجالية المسلمة في فرنسا.
في هذا السياق، تسعى باريس إلى تعزيز التعاون الأمني مع دول أوروبية مثل بلجيكا وسويسرا، بهدف تتبع التمويل الخارجي، وضمان مراقبة مشتركة للجمعيات المشتبه بها.
أولوية للأمن.. ومجتمع تحت الرقابة
تؤكد الحكومة الفرنسية أن متطلبات الأمن القومي باتت أولوية لا تحتمل التأجيل، ما يفتح الباب لنقاش واسع حول حدود الحريات الدينية والمدنية في ظل تصاعد التهديدات الأيديولوجية.
وفيما تترقب الأوساط السياسية نتائج اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الوطني، تُظهر المؤشرات أن الدولة الفرنسية تتجه نحو استراتيجية أمنية شاملة لمواجهة ما تصفه بـ”الاختراق الإخواني للمجتمع”، وسط تحذيرات من أن أي تأخير في المواجهة قد يؤدي إلى تنامي خطر نائم يصعب تطويقه لاحقاً.