فرنسا والجزائر تطويان صفحة التوتر وتستأنفان التعاون الشامل

مرصد مينا

أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، اليوم الأحد، أن العلاقات بين فرنسا والجزائر عادت إلى طبيعتها، وذلك عقب محادثات استمرت ساعتين ونصف الساعة جمعته بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في العاصمة الجزائرية.

جاءت هذه الزيارة في سياق محاولة إصلاح العلاقات بين البلدين التي شهدت توتراً دام لأشهر.

وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين لطالما اتسمت بالتعقيد نتيجة إرث تاريخي ثقيل، إلا أن التدهور الأخير بلغ ذروته في يوليو الماضي، عندما تصاعدت التوترات إلى مستوى غير مسبوق، وسط تبادل للاتهامات بعرقلة التعاون وإهانة متبادلة.

وقال الوزير الفرنسي في بيان أدلى به من القصر الرئاسي في الجزائر العاصمة: “نعيد اليوم تفعيل جميع آليات التعاون في كافة القطاعات. نعود إلى الوضع الطبيعي، ونردد ما قاله الرئيس تبون: رفع الستار”.

زيارة الوزير الفرنسي تأتي بعد اتصال هاتفي جرى في 31 مارس المنصرم بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، اتفق فيه الطرفان على خارطة طريق شاملة تهدف إلى تهدئة التوترات وإعادة بناء الثقة.

ويؤكد مسؤولون فرنسيون أن تدهور العلاقات كانت له تداعيات خطيرة على عدة مستويات، لا سيما في ظل تبادل تجاري كبير، ووجود روابط اجتماعية عميقة بين الشعبين، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 10% من سكان فرنسا البالغ عددهم 68 مليون نسمة لهم جذور أو صلات بالجزائر.

وكانت الجزائر قد فرضت، وفقاً لمصادر فرنسية، عراقيل على التراخيص الإدارية والتمويلات الجديدة للشركات الفرنسية، الأمر الذي انعكس سلباً على أنشطة هذه الشركات، وخصوصاً في قطاعات الزراعة، وصناعة السيارات، والنقل البحري.

كما أشار تجار إلى أن الديوان الجزائري المهني للحبوب قد استبعد فعلياً القمح الفرنسي من مناقصاته منذ أكتوبر الماضي، رغم تأكيد الديوان أنه يتعامل مع كافة الموردين وفق معايير فنية عادلة.

وأكد بارو أنه ناقش مع الرئيس تبون بشكل مباشر الصعوبات المرتبطة بالتبادل الاقتصادي، مضيفاً: “أكد لي الرئيس تبون رغبته في إعطاء دفعة جديدة لهذه القطاعات”.

ولم تقتصر التوترات على الجانب الاقتصادي فحسب، بل شملت أيضاً جوانب أمنية وثقافية، إذ أدى اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري الأصل بوعلام صنصال (80 عاماً) في نوفمبر إلى تفاقم الأزمة.

والأسبوع الماضي، صدر بحقه حكم بالسجن لمدة خمس سنوات، وتأمل باريس في حصوله على عفو رئاسي خلال الفترة المقبلة.

هذا التوتر طال كذلك ملف الهجرة، حيث دعا وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو إلى إعادة النظر في اتفاقية عام 1968، التي تسهّل استقرار الجزائريين في فرنسا.

جاء ذلك في ظل رفض الجزائر استعادة بعض مواطنيها الذين صدرت بحقهم أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية، مما زاد من حدة الجدل في الداخل الفرنسي، حيث تواجه حكومة ماكرون ضغوطاً متزايدة لتشديد سياسات الهجرة.

وتبقى ذكريات حرب الاستقلال الجزائرية (1954-1962) حاضرة في خلفية المشهد، لتؤكد أن تطبيع العلاقات بين البلدين يتطلب معالجة عميقة لتاريخ معقد، وتجاوز رواسب الماضي لبناء شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

Exit mobile version