مرصد مينا
أثارت تقارير إعلامية غربية عن هبوط طائرات روسية يُشتبه في أنها عسكرية، في مطار جربة الدولي جنوب شرق تونس تساؤلات أمنية إقليمية ودولية.
صحيفة صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية كانت أفادت الأسبوع الماضي، بهبوط “طائرات عسكرية روسية” في الأيام القليلة الماضية، بمطار جربة الواقع على بعد 130 كيلومترا من الحدود الليبية، الأمر الذي سارعت فيه موسكو عبر سفارتها في ليبيا إلى نفي صحة ما ورد في تقرير الصحيفة الإيطالية، واصفة إياه بـ”الأكاذيب والتزييف”، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي تونسي فيما رفضت سفارتها في باريس ما وصفته بـ”الادعاءات” التي حملها برنامج سياسي عرض على قناة “LCI” الفرنسية، بُثّ الخميس، وناقش ما أسماه “الاختراق الروسي لتونس”. وأعربت السفارتان عن أسفهما لـ”نشر معلومات مضللة ولا أساس لها”.
ونقلت “لا ريبوبليكا”، في تقريرها، الأحد الماضي، أن طائرات شوهدت خلال الأيام الأخيرة تهبط في مطار الجزيرة التونسية، مؤكدة أن طبيعة نشاطها لم تتحدد، مشيرة إلى أن لموسكو بالفعل حضور قوي في ليبيا، وتشكل تحالفا مع الجزائر، ونجحت في توسيع تواجدها العسكري في النيجر وتشاد، فيما انسحب الفرنسيون من مالي وبوركينا فاسو، معتبرة أن تواجدها في تونس من شأنه أن يكمل “اختراق” المنطقة.
واعتبرت الصحيفة أنه فيما “لا تزال الطبيعة الدقيقة لهذه الأنشطة الجوية، سواء كانت لوجيستية أو غير ذلك، غير واضحة”، شددت على أنها “تثير مخاوف حقيقية”.
الناشط التونسي المقيم بإيطاليا، مجدي الكرباعي، يقول إن تقرير الصحيفة الإيطالية يشير إلى أن طائرات عسكرية روسية تتواجد في تونس، ويطرح فرضية تموضع قوات لفاغنر بالبلاد، وأضاف بحسب موقع الحرة الأمريكي، أن بيانات السفارات الثلاث (التونسيتين والروسية) تنفي تواجد عناصر فاغنر وليس التواجد الروسي في تونس، حيث أن هناك إثباتات بوجود هذه الطائرات، بالتالي فهناك “روايتين” للموضوع. الرواية الأولى وفقا يمثلها تقرير لا ريبوبليكا والمعطيات التي أوردها بشأن التواجد الروسي والتداعيات الأمنية على المنطقة وعلى إيطاليا تحديدا القريبة من تونس.
ويضيف الناشط التونسي، أن البيانات التي تكذّب الخبر كذبت مسألة تواجد فعلي لفاغنر في تونس، وهو ما لم تطرحه الصحيفة بل بقي الأمر جزءا من التحليل الخاص بها. بالمقابل، يقول علية العلاني، خبير الشؤون السياسية والاستراتيجية، إن التقارير “لا تحمل كل الحقيقة وتفتقد إلى الدقة”، مشيرا إلى أن “الأراضي التونسية تستقبل طائرات من العديد من الدول”.
ويضيف العلاني بحسب الموقع الأمريكي: أن “تونس لم ترد في البداية على التقارير لكن بعد تداول الحديث عنها اضطرت إلى الرد، نافية وجود قوات فاغنر على الأرض، وأيضا لا داعي لوجودها، حيث أن لروسيا مناطق أخرى أهم بالنسبة إليها”.
الخبير التونسي يشير إلى أن تقرير الصحيفة الإيطالية أشبه بـ”لعبة مخابرات”، وليس “خبرا حقيقيا”، لافتا إلى أنه يندرج ضمن الصراع الفرنسي الإيطالي على النفوذ بالبلاد. وأوضحت صحيفة “لا ريبوبليكا”، أنها طلبت من الخارجية الأميركية بيانا بشأن موقفها بخصوص الرحلات الجوية الروسية إلى تونس، ومدى اطلاعها عليها.
وذكرت أن الخارجية الأميركية، علقت بالقول: “ما زلنا نشعر بالقلق بشأن أنشطة مجموعة فاغنر وتلك التي تدعمها روسيا في القارة الأفريقية، والتي تؤجج الصراعات وتشجع الهجرة غير النظامية، بما في ذلك إلى تونس”.
بدورها سلطت جريدة “لوموند” الفرنسية الضوء على تداعيات ودلالات التحركات الروسية المزعومة في تونس، والجدل الذي أثارته في ظل الوضع الإقليمي المتوتر.
واعتبرت الجريدة الفرنسية، أن تونس ترتبط بالمعسكر الغربي، ولجيشها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة، بالتالي فإن أي تقارب محتمل بينها وبين وروسيا سيمثل بلا شك تحولا جذريا في توجهات البلاد، على الرغم من أن مثل هذا التحول لا يزال حتى الآن مجرد احتمال نظري بعيد المنال في خضم الظروف الراهنة. غير أن الصحيفة، تقول إن “النزعة الاستبدادية” للرئيس قيس سعيّد، الساخر المعتاد من “الإملاءات” الغربية، خلقت مع ذلك بيئة حاضنة وأرضية خصبة للخطاب السائد في موسكو، وفقا لمراقب أوروبي في تونس.
مصدر دبلوماسي غربي أكد بحسب “لوموند”، أنه “كان هناك بالفعل هبوط لطائرات روسية في جربة، لكننا لا نعرف طبيعتها”. ووفقا لتقارير غير مؤكدة تتداولها أوساط محللي الأمن في تونس، كانت هذه طائرات “شحن” و “رحلات مستأجرة” مدنية، وليست لطائرات عسكرية، كما ذكرت “لا ريبوبليكا”.
وبحسب المصادر ذاتها، كان على متن بعض هذه الطائرات روس منتسبون لمجموعة فاغنر شبه العسكرية والتي أعيد تسميتها بـ”فيلق أفريقيا”، والذين حلوا في جربة من أجل الاستجمام. وذكرت الصحيفة، أن طائرات أخرى توقفت للتزود بالوقود. وتم الإبلاغ عن هذه التحركات الجوية الروسية في الجزيرة التونسية منذ نحو عام.
ووفقا لعدد من المحللين، فإن تونس ليست بمعزل عن الانتشار الجديد للنفوذ الروسي في الساحل والصحراء وليبيا، حتى لو كان البعد العسكري الفعلي لا يزال غائبا. وبعد تأجيلها مرتين، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أخيرا تونس في ديسمبر الماضي، وذلك وسط نمو كبير للتجارة بين البلدين.
في هذا الجانب، يقول الكرباعي إن قيس سعيد يريد أن “يلعب لعبة تهديد ولي ذراع الأوروبيين والغربيين بسبب عدم رصد الأموال التي كانت مقررة بعد اتفاق الشراكة الشامل مع الاتحاد الأوروبي وأيضا إعانات صندوق النقد الدولي من خلال التلويح بالانضمام للمحور الروسي والصيني”.
في السياق ذاته، يلفت المتحدث إلى أن مشاركة سعيد بمراسم جنازة الرئيس الإيراني ولقائه بالمرشد الأعلى، علي خامنئي، تحمل أيضا “رسائل مشفرة إلى الغرب الذي عزل تونس اقتصاديا وسياسيا”. ويشير إلى أن هذه “مناورات سياسية غير محسوبة من قيس سعيد”، وأن “هذا خيار اقتصادي وسياسي ودبلوماسي خاطئ”.
في المقابل، يقول العلاني إن لتونس “خط ثابت، ولا تغير حلفاءها وأصدقاءها، وتعتبر أن مصالحها هي التي تحدد إجراءاتها الاقتصادية مع هذا البلد أو ذاك”، وأما على “المستوى العسكري فلا تغيير والتنسيق في أوجه مع البلدان الغربية وخاصة الولايات المتحدة”.
وتواكب القوة الناعمة الروسية هذا التقارب المتصاعد بين البلدين. فمنذ فترة، بدأت ملصقات إعلانية تظهر في شوارع تونس تروّج للنسخة العربية من القناة التلفزيونية “روسيا اليوم” (RT)، وهي قناة ممولة من الحكومة الروسية وتعمل كأداة رئيسية للدعاية والدبلوماسية العامة الروسية في المنطقة، فيما تنظم “الدار الروسية”، وهي مركز ثقافي تابع للسفارة، بانتظام فعاليات حول الثقافة واللغة والتاريخ الروسي، وتشارك في الأحداث الثقافية مثل معرض تونس الدولي للكتاب.
وقال دبلوماسي غربي: “الأرضية خصبة”، في ظل تنامي إدراك الرأي العام التونسي بوجود “معايير مزدوجة” لدى الأوروبيين والأميركيين فيما يخص الحرب في غزة، وهو ما يخدم الرواية الروسية حول الغرب المنافق أخلاقيا.
وفي بيئة تتسم أيضا باختراق روسيا المزدوج للساحل والصحراء وليبيا، يبقى “قيس سعيّد ثمرة ناضجة تنتظر السقوط في حضن روسيا”، بحسب ما صرح به، جلال حرشاوي، الباحث المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدفاع والدراسات الأمنية للصحيفة الفرنسية.
ومع ذلك، فإن تغيير النموذج الاستراتيجي ليس بالأمر السهل. ففي عام 2015، منحت الولايات المتحدة تونس وضع “حليف رئيسي من خارج الناتو”. وهي كذلك عضو في “مجموعة رامشتاين” التي تشكلت بمبادرة من الناتو لدعم أوكرانيا. وهذا يفسر الإحراج، بل والارتباك، الملحوظ حاليا في تونس حيال هذه التطورات، وفقا للوموند الفرنسية.
والشهر الماضي، اختتمت فعاليات التمرين العسكري المشترك التونسي الأميركي “الأسد الأفريقي 24″، بحضور قيادات رفيعة المستوى من الطرفين، بالإضافة إلى مراقبين عسكريين من بعض الدول الأفريقية.
الخبير التونسي العلاني، يشدد على أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة بالنسبة لتونس، مشيرا إلى حدوث مناورات عسكرية ثنائية بين الجانبين، وإلى أنه بالتزامن مع هذا التقرير كان وفد عسكري تونسي رفيع في زيارة إلى الولايات المتحدة.
ويؤكد المتحدث أن تونس تجد لدى “روسيا صفقة أفضل سواء على مستوى الحبوب أو غيرها من المشتريات”، ويشير إلى أن “هذا يدخل ضمن المصالح الاقتصادية خاصة مع معاناة البلاد من أزمة اقتصادية”.
العلاني يضيف أنه “لا يمكن المزج بين الأمرين (العسكري والتجاري)”، مشيرا مثلا إلى أنه على مستوى التسليح وشراء الأسلحة فالقوات التونسية تسليحها غربي”، أما الصفقات الاقتصادية تدخل في خانة المصالح الاقتصادية العادية، مع مساعي البلاد لتقليص عجز ميزانها التجاري، وفقا لموقع الحرة.