في اليوم العالمي للشاي.. رحلة مشروب غيّر الثقافات وألهم الفلاسفة

مرصد مينا

يُحتفى في يوم 21 مايو من كل عام باليوم العالمي للشاي، وهو مناسبة عالمية مكرسة لتكريم هذا المشروب الذي يُعتبر من بين أكثر المشروبات استهلاكا على مستوى العالم.

يتغلغل الشاي في مختلف الثقافات الشعبية ويجمع بين جميع الفئات الاجتماعية، حيث يحظى بإقبال واسع من مختلف الأعمار، ويُعدّ كوب الشاي الدافئ رفيقاً مثالياً للشعور بالهدوء والسكينة بعد يوم طويل من العمل أو في لحظات التأمل والراحة.

وفي العديد من الثقافات، يُعتبر تقديم الشاي رمزاً للضيافة، فهو يشجع على المحادثة وتوطيد العلاقات بين الأفراد، ويشكّل طقساً محبباً صباحاً أو مساءً، يرافقه الكثيرون كجزء من روتينهم اليومي.

أسطورة شين نونج: كيف وُلد الشاي من رحم الصدفة

يرجع اكتشاف الشاي في الصين إلى أسطورة قديمة تحكي عن الإمبراطور “شين نونج”، الذي يُعتبر مؤسساً للزراعة ومخترع المحراث.

اشتهر هذا الإمبراطور أيضاً بمعرفته الواسعة بالخصائص العلاجية للنباتات المختلفة، ومن بينها الشاي.

تقول الأسطورة إنه في أحد الأيام، بينما كان الإمبراطور يحتمي من حرارة الشمس تحت شجرة كثيفة الظلال، أشعل ناراً ليغلي بعض الماء لشربه، معتقداً أن شرب الماء المغلي سيكون أفضل لحالته الصحية من شرب الماء البارد مباشرة.

أثناء غليان الماء، سقطت بعض أوراق شجرة الشاي في الإناء الذي يغلي عليه الماء، وعندما شرب الإمبراطور ذلك السائل الجديد، شعر على الفور بالانتعاش والراحة، مما جعله يدرك أن هذا المشروب الجديد يحمل فوائد غير متوقعة. ومن هنا بدأت قصة الشاي الذي أصبح فيما بعد مشروباً عالمياً محبباً.

أسرة تانج وبوذية الزن: الشاي والتأمل الروحي

تتعلق أسطورة أخرى بأسر تانج الصينية التي توضح كيف دخل الشاي إلى الصين عبر شخصيات دينية، حيث يُروى أن الزاهد “بوديدهارما”، مؤسس مدرسة بوذية الزن التي تعتمد على التأمل العميق، كان يعاني من النعاس أثناء ممارسته للصلاة والتأمل.

تقول الأسطورة إنه بعد أن جلس أمام الحائط في حالة تأمل لسنوات عديدة، غط في النوم أخيراً، وعندما استيقظ شعر بالعصبية، فقام بقطع جفنيه الذين سقطا وتحولا إلى شجيرة شاي تحمل مادة منبهة ساعدت البوذيين في الحفاظ على يقظتهم أثناء جلسات التأمل. وهكذا أصبح الشاي جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الروحية للبوذيين.

فلسفة كونفوشيوس: الشاي وعلاقات المجتمع

أكد الفيلسوف الصيني العظيم كونفوشيوس على أن طقوس شرب الشاي تلعب دوراً هاماً في تقوية الروابط الاجتماعية، وتساعد في بناء مجتمع يسوده الفضيلة والسلوكيات الرفيعة.

وقد اعتبر أن الاهتمام بالاعتدال في تناول الشاي، إلى جانب النظافة الشخصية والمظهر اللائق، يمثل مفتاحاً لفهم أسرار الكون والعلاقات الإنسانية.

الفوائد الصحية للشاي

للشاي فوائد صحية متنوعة، واستخدامات طبية، وحتى بعض الاستعمالات المنزلية غير المتوقعة. فهو غني بالعديد من المركبات الحيوية التي تعزز الصحة العامة وتساعد في الوقاية من عدد من الأمراض.

يحتوي الشاي على مجموعة متنوعة من المكونات النشطة بيولوجياً، من بينها مضادات الأكسدة مثل البوليفينولات، والمركبات القلوية كالكافيين، والثيوفيلين، والثيوبرومين، إضافة إلى الأحماض الأمينية، والكربوهيدرات، والبروتينات، والكلوروفيل.

كما تساهم المركبات العضوية المتطايرة في منح الشاي رائحته المميزة، ما يجعله فريداً في نكهته وعطوره.

فوائد صحية مثبتة علمياً

تعزيز صحة القلب: يحتوي الشاي على مركبات الفلافونويد التي تلعب دوراً مهماً في الحد من عوامل الخطر القلبية، مثل خفض مستويات الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية، وتحسين حساسية الإنسولين وتقليل السمنة، ما ينعكس إيجاباً على صحة القلب والأوعية الدموية.

تحسين صحة الجهاز الهضمي: يتميز الشاي بخصائص مضادة للبكتيريا، ويساهم في تعزيز نمو البكتيريا النافعة بالأمعاء، مما يقلل من خطر الإصابة بأمراض مثل التهاب الأمعاء.

خفض ضغط الدم: أظهرت الدراسات أن تناول الشاي بانتظام قد يسهم في خفض كل من ضغط الدم الانقباضي والانبساطي، مما يساعد في الوقاية من مضاعفات ارتفاع الضغط.

الوقاية من السكتة الدماغية: تشير الإحصاءات إلى أن تناول الشاي يقلل من خطر السكتة الدماغية بنسبة تصل إلى 21%، وهي ثاني أكثر أسباب الوفاة شيوعاً عالمياً.

ضبط مستويات السكر في الدم: يعمل مستخلص الشاي على تعزيز نشاط الإنسولين، وتحسين استقلاب الغلوكوز، مما يساعد في الوقاية من السكري، خاصة من النوع الثاني.

الوقاية من السرطان: بفضل غناه بمركبات الكاتيكين، يُعتقد أن الشاي يساهم في كبح نمو الخلايا السرطانية، رغم الحاجة لمزيد من الدراسات لتأكيد فاعليته لدى البشر.

تحسين وظائف الدماغ: يُعرف الشاي بتأثيره المنشط للذهن بفضل الكافيين والثيانين، حيث يعزز التركيز والانتباه والمزاج، كما يقلل من احتمالات الإصابة بمرض الزهايمر وباركنسون عبر آلية الحماية العصبية التي توفرها مضادات الأكسدة.

حماية الكبد: أظهرت التجارب على الحيوانات أن مركبات الكاتيكين الموجودة في الشاي تساهم في تقليل تطور أمراض الكبد الدهنية الناتجة عن الأنظمة الغذائية عالية الدهون.

تعزيز المناعة وتقليل خطر انسداد الشرايين: إلى جانب خصائصه المضادة للالتهاب، يسهم الشاي في تقوية جهاز المناعة والوقاية من أمراض الأوعية الدموية.

استخدامات طبية ومنزلية غير تقليدية

بعيداً عن الفوائد الصحية، يدخل الشاي في عدد من الاستخدامات غير المألوفة، منها:

علاج الانتفاخ والهالات السوداء حول العين: يمكن استخدام أكياس الشاي المبردة ككمادات لتهدئة الانتفاخ تحت العين وتقليل الهالات.

تهدئة الطفح الجلدي ولدغات الحشرات: عبر وضع أكياس شاي مبللة على الجلد المتهيج أو المصاب باللدغات لتخفيف الالتهاب والحكة.

تقليل الكدمات والخدوش الطفيفة: يخفف الشاي من التورم والاحمرار الناجم عن الجروح السطحية.

وقف نزيف اللثة بعد خلع الأسنان: يساعد عض كيس شاي بالنعناع على وقف النزيف وتسكين الألم.

تسكين آلام الرضاعة الطبيعية: تستخدم كمادات الشاي الدافئة لتخفيف آلام الحلمات لدى المرضعات وتعزيز تدفق الدم وتسريع الشفاء.

مقشر طبيعي للتخلص من الرؤوس السوداء: يمكن تحضير مقشر بسيط من أوراق الشاي والماء لفرك البشرة بلطف.

صبغة طبيعية للأقمشة: تُستخدم أوراق الشاي لصبغ الأقمشة القطنية بطريقة تقليدية مستوحاة من أساليب قديمة في التلوين النباتي.

سماد عضوي للنباتات: عند خلطه مع التربة، يعزز الشاي من نمو الجذور والبراعم، ويعمل كسماد طبيعي غني بالعناصر المفيدة.

تحسين رائحة الفم وترطيب البشرة: يُستخدم الشاي كمكون فعال في مكافحة الروائح الكريهة وتجديد خلايا الجلد.

واقي شمس موضعي ومضاد للتجاعيد: تُشير بعض الاستخدامات التقليدية إلى إمكانية وضع مستخلصات الشاي على البشرة للحماية من الأشعة فوق البنفسجية وتقليل علامات التقدم في السن.

Exit mobile version