
غسان المفلح
منذ أيام نشرت تمني على أهلنا العلويين بخروج تظاهرات تندد بالجرائم الأسدية، وتطالب بالعدالة الانتقالية. كنت ختمت التمني بتمني آخر وهو عدم الخوف من أي رد فعل. لم يكن غاية التمني لا أن تعتذر الطائفة، ولا تحميلها مسؤولية ما. بل من أجل محاولة انخراطها بالهم العام كبقية السوريين.
لسبب المباشر هو احتجاجي على قصة المجرم فادي صقر وتعامل السلطات معه. كنت قبلها أيضا تمنيت نفس التمني وذكرت أسوة بتظاهرتي أهلنا في حي التضامن وركن الدين ضد وجود فادي صقر حراً طليقاً. لا يهمني كيف فهم البوست من بعض الأصدقاء.
وأعيد وأكرر دعوتي. كي تتحرر الطائفة من نظام الأسد إلى غير رجعة، ومن خوفها من الراهن والمستقبل. كعادتي سأكون صريحاً لأن هذا الملف يؤلمني ويقلقني في نفس الوقت.
إمام حالة من همجية المصالح الضيقة والشخصية، والتي مفادها تبرئة الطائفة من النظام الأسدي وعلى أرضية بناء مظلومية علوية. ليختلط ذلك تحت شعار معارضة السلطة الجديدة. تحرير الطائفة لا يتم في بناء مظلومية جديدة وغير صحيحة. رغم الجرائم التي حدثت بحق المدنيين من أبنائها، بعد حادثة ما عرف بهجوم الفلول المسلح على مدن الساحل. تحرير الطائفة لا يبنى بادعاء الفقر وإنها معرضة للإبادة! وهذا غير صحيح. بل من خلال انخراطها بالهم العام مع بقية السوريين. حيث خرجت تظاهرات عدة تطالب بمحاسبة فادي صقر وكل مجرم أسدي.
كل هذا يمكننا فهمه وتفهمه على أرضية الجرائم التي ارتكبت. لكن الملفت للانتباه ومحاولة تميزه في كل شاردة وواردة، هو أن النظام الأسدي لم يكن طائفياً! هذا مقتضاه أن الطائفية مرتبطة بالسلطة الجديدة وجماهيرها، وليس بنظام الأسد. هنا نحن أمام محاولة اعتقال جديد للطائفة العلوية من قبل نخبها ومن قبل جماعة تزوير التاريخ الأسدي في سورية.
ملاحظة أولى: في كل قرية ومدينة سورية هنالك مشاريع مجتمع أهلي ومدني وهنالك منشآت تنشا من قبل أهلها ممن يمتلكوا الأموال. في حوران وحلب وحمص وغيرها حتى في مدن الساحل نفسها. هذه الظاهرة لا نجدها في قرى العلويين ومدنهم ولماذا؟ هل فعلا لا يوجد أموال فيها لدى بعض المقربين من النظام الأسدي؟ لماذا لا يستثمروا فيها ويفتحوا فرص عمل جديدة لأهلنا هناك. هنا لا بد أن يكون للسلطة الجديدة بعض إجراءات تشجع على ذلك.
ملاحظة ثانية: الإصرار من قبل بعض النخب على استمرار تخويف الطائفة كي لا تشارك في الشأن العام في ظل الحرية السياسية النسبية. عندما تتحرر الطائفة العلوية تتحرر بقية الطوائف وتتحرر البلد من مرض الطائفية.
أما العزف على نغمة أن النظام الأسدي لم يكن طائفياً وأنه شارك بقية المكونات السورية في مقتلته المستمرة منذ ستة عقود تقريباً. هل كان هنالك شريكا للأسد ووريثه في القرار السياسي والعسكري والأمني في البلد؟
هذا السؤال ينسف هذه الراوية من أساسها. أولاً لا شريك له حتى داخل الطائفة العلوية، لكنه حول الطائفة إلى صاحبة سلطة من جهة، وإلى حزب سياسي عسكري للدفاع عنه من جهة أخرى.
حتى أن الذين شاركوهم في المقتلة السورية من بقية المكونات السورية كانوا يعتبرونه نظاماً طائفياً. لهذا الوزير السني أو الدرزي او المسيحي يعرف أن سلطته محدودة أمام أي ضابط مخابرات صغير أو حرس جمهوري. مثال سخرية كثر من ضباط الطائفة من وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس. هنا تحضرني هذه الصورة:
أنظروا على وقفة رفعت الأسد وهو برتبة مقدم أمام وزير الدفاع وهو برتبة لواء وحافظ أسد الذي هو قائد عام للجيش ورئيس سورية. على ماذا تدل هذه الصورة؟
لماذا استطاع الأسد الاب وبعده الابن تحويل الطائفة إلى حزب سياسي عسكري أمني لحمايته، ببساطة لأنه كان رب عمل لها، هو من يمنح فرص العمل وهو من يمنح الامتيازات والاهم هو من يغض الطرف عن فساد ضباطها وقادة ميليشياتها.
هنا مربض الفرس. دون رؤية هذه القضية لا يمكننا أن نفهم لماذا تجذرت الطائفية في سورية. من جهة أخرى في هذا السياق لم يعد مهما إلا من باب التاريخ ربما، ما تقول به هذه النخب أن النظام الأسدي لم يكن طائفياً، بل المهم أحساس ابن الشارع السوري وحسه العلمي. سواء كان علوياً صاحب سلطة او من مكون آخر يشعر بالتمييز الطائفي ضده.
هذه الاحاسيس لا يمكن تجاوزها إلا بتحرير الطوائف، من خلال مشاركتها في الشأن العام كمواطنين أحرار. افترض أن أهلنا هناك خرجوا تظاهرة وتم قمعها. ألا يعتبر ذلك خدمة لتحررها فعلا؟
من جهة أخرى الطائفية الأسدية كانت حالة شاذة في التاريخ السوري، لأنها أولا احتكت بالشارع مباشرة من جهة، ولأنها استمرت 60 عاماً وهذا كفيل ليخلق بلدا طائفيا برمته.
أما الاستناد للتاريخ القديم وغيره من أجل تبرئة الأسدية من الطائفية هو محض تزوير. ستون عاماً والشعب السوري يخاف ممن يرتدي البدلة المموهة، ومن المدني الذي يرى مسدسه على خصره. ستين عاما 90% من قادة الجيش والمخابرات من نفس الطائفة.
هنا يجب دراسة القصة. إذا هي طائفية أسدية معاصرة لا قبل لها ولن نسمح كسوريين بتكرارها لا من هذه السلطة ولا من أي سلطة أخرى في المستقبل.
كي تتحرر البلد مما زرعه الأسد. بذلك وسيلة من وسائل نجاة سورية. وهذا الجزء الأكبر منه يقع على عاتق السلطة الحالية واجتراحها الحلول من أجل تجاوز هذه القضية، ومشاركة المجتمعات الأهلية والمجتمع المدني والقوى السياسية.