شهدت نهاية شهر يناير / كانون ثاني الماضي إعلان منظمة الصحة العالمية في 30 الشهر الماضي، أن فيروس كورونا الصيني الجديد يشكل حالة ” طوارئ صحيّة دوليّة ” مع دعوة المنظمة لعدم المبالغة برد الفعل بعد إعلان الطوارئ هذا.
وفي خطوة مفاجئة جديدة، نقلت شبكة CNN عن مؤتمر صحفي قالت فيه ” سيلفيا برياند ” مديرة قسم مكافحة الأمراض الوبائية في منظمة الصحة العالمية، أن فيروس كورونا الجديد لا يشكل وباءً عالميّاً.
وقالت سيلفي برياند للصحفيين، مساء الثلاثاء، أن ” الفيروس لا يمثل وباءً عالميا “، وأن المنظمة تعمل على إخماد انتقال العدوى في كل البؤر التي ظهرت فيها”.
ونوهت مديرة قسم مكافحة الأمراض الوبائية، أنه “من الصعب احتواء الفيروس بسبب الحركة الجماهيرية العالمية”، وعبرت عن أملها في أن توقف التدابير الصحية المتبعة حاليا، انتقال الفيروس، حيث جاء ذلك بعد عودتها من الصين، في زيارة لمتابعة الإجراءات الصحية التي تتخذها السلطات لمواجهة انتشار المرض.
بداية المرض
بدأ مرض كورونا الصيني في ديسمبر / كانون أول الماضي في مدينة ووهان الصينية ليتمدد لاحقًا لما يتجاوز العشرين بلدًا، وتسبب المرض حتى الآن في وفاة أكثر من 400 شخص في الصين، فيما أصيب به الآلاف في الصين ودول عدة متفرقة من أنحاء العالم.
وفي البدء استخدمت منظمة الصحة العالمية تحذيرات بسيطة حيال خطورة المرض، لكنها وبعد انتشاره السريع وتسببه في حالة من الذعر والقلق حول العالم، قررت رفع درجة تحذيرها منه.
طوارئ دوليّة
يبعث إعلان الطوارئ من قبل المنظمة الدولية رسائل وتحذيرات خطيرة وجديّة، كما أنه يمنحها قدرة حقيقية وفعلية على التدخل والتأثير على مسار الوباء ورفع سرعة الاستجابة وطرقها المختلفة بالتوازي مع جهود الحكومات لاحتواء المرض.
ويحمل إعلان الطوارئ رسالة ذات بعد دولي أن الوضع الصحي في الكوكب في خطر، ويدعو اعلان حالة الطوارئ الدول للتعاون الجدي والفعّال مع كوادر المنظمة من خلال تنسيق القدرات البشرية والمالية وبقية الموارد.
ويسمح إعلان الطوارئ الدولية لمنظمة الصحة العالمية أن تطالب مواطني البلدان المصابة وخصوصاً العاجزة والفقيرة، على اتباع التوصيات الخاصة بالمنظمة.
البعد الأخطر في اعلان حالة الطوارئ، يرتبط بمنحه السلطة للمنظمة لإصدار تحذيرات وتنبيهات بشأن السفر والتعامل مع المناطق المصابة بالمرض (وهنا شكل ضربة قوية للصين الاقتصاد الثاني على كوكب الأرض) في حادثة مشابهة لتفشي مرض سارس عام 2003.
كما وتستطيع منظمة الصحة العالمية مراجعة تدابير الصحة العامة التي اتخذتها مختلف البلدان لضمان أوضاعها الصحية. فإذا ما فرضت دولة قيودا على السفر أو التجارة تتجاوز توصيات المنظمة، مثل رفض دخول المرضى المشتبه بهم، فيمكن لها أن تطلب تبريرات علمية.
هذا وتعتبر التوصيات ليست إلزامية، لكن يوجد ضغط كبير على الدول للالتزام بنصائح المنظمة، إذ إن على الأعضاء التقيد باللوائح الصحية الدولية لعام 2005 الصادرة عن المنظمة، وإعاقة هذه اللوائح قد يعرضها للمسألة وفق القانون الدولي!.
أزمة صينية
يمكن القول إن اعلان الطوارئ الدولي ضربة قوية وتهز الصين، الاقتصاد النامي بسرعة كبرى والمستعد للمنافسة عالميًّا بالإضافة للضرر الذي يتسبب به الفيروس في الداخل الصيني نفسه من هلع وموت وتوقف انتاج واغلاق مدن ومقاطعات بأكملها بالإضافة للمعضلات الحقيقية التي تواجه السلطات في إدارة الأزمة والسيطرة على مختلف مفاصلها (نضرب هنا مثالًا عن إيصال الطعام للملايين المحتجزين في مدنهم وأحيائهم ضمن الحجر الصحي).
ومن المتوقع أن توجه أزمة فيروس كورونا سريع الانتشار ضربة قوية لاقتصاد الصين. كما سبب إعلان منظمة الصحة العالمية للطوارئ، خيبة أمل صينية حيث سبق أن عبرت عن ثقتها في هزيمة الفيروس “الشيطان”. وقد يؤدي ذلك أيضا إلى إثارة المخاوف في الأسواق بشكل أكبر مما يزيد الآثار الناجمة عن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الصيني وهذا ما شهدناه في تراجع أسواق النفط والبورصات الآسيوية.. مع مخاوف من هلع عالمي يجبر الناس على سحب أموالهم وايداعاتهم من البنوك حيث لا تزال ذكرى خسائر سارس ماثلة للذاكرة بعد أن تسبب بخسائر مع مخاوف من هلع عالمي يجبر الناس على سحب أموالهم وايداعاتهم من البنوك حيث لا تزال ذكرى خسائر سارس ماثلة للذاكرة بعد أن تسبب بخسائر 33 مليار دولار في عام 2003.
ويخشى الخبراء نتائج كارثية أكبر نتيجة لزيادة نمو الصين عما كانت عليه مرحلة انتشار السارس، حيث توقع أحد الخبراء الصينيين أن تؤدي الأزمة لتراجع الاقتصاد الصيني بمقدار نقطة مئوية واحدة بالتوازي مع تراجع اليوان وانخفاض أسعار النفط وارتفاع أسعار الذهب.
وفي ضوء ذلك كله يبقى التساؤل عن الأسباب والمحركات الحقيقية التي دفعت مديرة قسم الأمراض الوبائية في منظمة الصحة العالمية لإطلاق تصريحاتها تلك بشكل يمثل تراجعًا فيما سبق وأعلنته المنظمة، فهل هي ضغوط صينية أم توافق دولي لمنع الهلع وانهيار الاقتصاد العالمي الذي بات مترابطًا بشكل مرعب.. أم أن السيطرة الفعليّة على المرض جاءت بنتيجة؟!