fbpx

في لبنان.. يخيرونك فاختر

ليس تهويلاً إذا ما قلنا بأن لبنان على فوهة الجحيم.. بطبيعة الحال ليس هذا رجاء أي وليد لبناني، كما ليس رجاء كل أرزة في (صنين)، غير أن المؤشرات ستذهب ربما نحو مالايرتجيه أيّ من الذين يمتلكون قلبًا ينبض ويحمل ما اصطلح على تسميته بـ “الضمير”.

اللبنانيون، أو لنقل، الجزء الأوسع من اللبنانيين، نكّلت بهم لقمة الخبز / الطبابة / التعليم / فرص العيش، وحتى نيران الغابات، والطبيعي أن يذهب اللبنانيون إلى واحد من احتمالين:

ـ الموت بصمت.
ـ أو الموت تحت وابل الاحتمالات.

ما حدث أنهم اتخذوا القرار بالنزول الى الساحات، مبدئيًا بحركة احتجاجية مطلبية، ومن ثم ارتفع الهتاف إلى (السياسي)، دون إمكانية للفصل ما بين السياسي والمطلبي، ففي الحالة اللبنانية، فـ: الفساد / البؤس الاقتصادي، الهيمنة على السلطة ومقدرات الناس، لا يمكن انتزاعها من ثوب السياسة الفضفاض الذي يختبئ تحته الفساد، دون نسيان أن الفساد هو التجلّي المهذّب للعنف سوى أنه لا يقل دموية عنه.

الطبقة السياسية المتنفذة، الحاكمة، اختارت واحد من خيارين:

ـ إما مواجهة الاحتجاجات بالتكفير والتخوين والاتهام بالتمويل الفاسد (دون أن تتورط بإنكار حق الناس بالتظاهر)، وبالنتيجة، تعاملت مع مطلب الحق كما لو انه خيانة، وتوافق في هذا الاتجاه حزب الله، مع حركة أمل، مع العونيين وقد تحوّلوا إلى أيتام لكلا الحزبين السابقين.

ـ وإما محاولة ركوب الموجة، وخطف الحركة الاحتجاجية، كما لو انهم بريؤون من إيقاع لبنان بالإفلاس والعوز والفساد، وكان اصطفافهم قد تمثل بجعجع / جنبلاط وفي جزء من تيار المستقبل وقد تأرجح بين الحرص على مكاسب السلطة واحتمال ما يمكن أن تذهب اليه الثورة.

الجيش، المؤسسة التي يعتبرها اللبنانيون مؤسسة وطنية جامعة، وقف حتى اللحظة على الحياد، لا بل وقف في مساحة يمكن نعتها بمساحة التردد، وهو جيش قابل للانقسام، أقله لعجزه عن الخروج من صيغة “الطوائف” تلك الصيغة التي قتلت الوطنية اللبنانية ولم تنجز أية قيمة للطوائف، غير أن قائد الجيش، ووفق كل القراءات، فله ملمحين باديا الوضوح:

ـ لن يقبل بجبران باسيل، ومزاجه أمريكاني.
وفي هذه الساحات، لابد للخارج من أي يُعمِل آلته.. يُعمِلها ليس لأن المؤامرة ولاّدة التاريخ على حد قول الفيلسوف الألماني هيغل، بل لأن لبنان لم يكن خارج اللعبة الدولية عبر تاريخه، وليس خارجها في لحظته، وهو التربة المناسبة لكل النباتات المسمومة، بدءًا من النبتة الإسرائيلية، وصولاً للنبتة الإيرانية، وفي كل الحالات لم يكن خارج لعبة الأمم.

واليوم.. ماذا امام الشارع اللبناني؟

واحد من خيارين:

ـ إما اطفاء شعلة الاحتجاجات، وفي هكذا حال فنصف الانتفاضات لن يؤدي سوى إلى تأبيد الطغيان.

ـ وإما الاسترسال في الثورة مع ما تحمل من مخاطر، وأوّلها تحويل الانتفاضات إلى شارع مقابل شارع، وقد بدت ارهاصات هذين الشارعين في تلك الهمجية التي عرضتها الشاشات يوم نزل بلطجية حركة أمل بهراواتهم في مواجهة المحتجين.

أما الاحتمال الثالث والذي يتوقع حدوثه حين يصل البلد إلى المنعطف، فهو أن يقوم الجيش بإعلان الاحكام العرفية، ليشكل مجلسًا عسكريا يدير السلطة لفترة انتقالية، لن تطيح بالنظام، غير أنها ستطيح بالعهد، مع ضرورة التفريق ما بين نظام / عهد.

في القراءات التي لا نرجو أن تتحول إلى وقائع، فالفوضى لابد ستكون استثمارًا للطبقة السياسية وقد انقسمت إلى شقين:

ـ تحالف الفاسدين، أولئك الذين سطو على مال اللبنانيين عبر السمسرة والمصرف والنفوذ.
ـ ولحزب الله، الذي يستثمر في القوة والسلاح، وليس من المتوقع، أو اليسير أن يتقبل هذا الحزب سلطة لبنانية وليدة، تنزله عن عرش الهيمنة السياسية، وهو الحزب الذي يتكئ على عاملين:

ـ بيئة حليفة صلبة، ومشروع إيراني لم يتوقف في طموحاته التوسعية، وها نحن ننظر الى النموذج العراقي، فثمة الكثير من المعلومات تفيد بأن قاسم سليماني توجه إلى العاصمة بغداد واستقل طائرة هليكوبتر إلى المنطقة الخضراء شديدة التحصين، حيث فاجأ مجموعة من كبار مسؤولي الأمن برئاسة الاجتماع بدلاً من رئيس الوزراء!

وقال للمسؤولين العراقيين: “نحن في إيران نعرف كيفية التعامل مع الاحتجاجات. لقد حدث هذا في إيران وسيطرنا عليها”، وفي اليوم التالي لزيارة سليماني، أصبحت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في العراق أكثر عنفاً بكثير، حيث ارتفع عدد القتلى إلى 100 بعد أن أطلق قناصون مجهولون النار على المحتجين في الرأس والصدر. وقُتل حوالي 150 متظاهراً في أقل من أسبوع.
مختصر القضية أن ثمة قنّاص يتلطّى خلف جدار ما.. في زقاق ما، وما أن يكون أول قتيل حتى تفتح الكارثة ذراعيها لتطلق نيرانها على صدور الناس.

في الخلاصة:
ـ أن تتراجع الانتفاضة، فلهذا معنى واحد ينهار معه أي مستقبل لأي حراك شعبي مستقبلي حتى ولو كان سقفه مطلبيًا.
ـ أن تنتصر الانتفاضة فلهذا معنى واحد لن يحيد عن تفكيك ارث برمته.. إرث الطائفة، والزعيم، وهما الحاملين الرئيسيين للفساد واللصوص وإلغاء إرادة الناس.

ويخيرونك فاختر.

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي

حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى