مرصد مينا
توفيت أيقونة الإعلام الأمريكي باربرا والتز عقب رحلة طويلة من العطاء امتدت لنحو 5 عقود عن عمر يناهز باربرا والتز (93 عاما) ، بعد أن حطمت “السقف الزجاجي”، ودخلت مهنة سيطر على الرجال لتكون أول مذيعة في بث إخباري وإحدى أبرز المحاورين في برامج التلفزيون، وفقا لشبكة “إيه بي سي نيوز” الإخبارية.
أجرت والترز خلال فترة عملها الطويلة مقابلات مع مجموعة من زعماء العالم منهم الزعيم الكوبي، فيدل كاسترو، ورئيسة وزراء بريطانيا الراحلة،مارغريت تاتشر، والزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، بالإضافة إلى جميع رؤساء الولايات المتحدة وزوجاتهم منذ ريتشارد نيكسون وزوجته بات.
وذكرت شبكة (إيه.بي.سي) أن والترز حصلت على 12 جائزة من جوائز إيمي، 11 منها أثناء وجودها في” إيه.بي.سي نيوز” .
والتز بدأت مسيرتها الإعلامية في برنامج “ذا توداي شو” على شبكة (إن.بي.سي) في ستينيات القرن الماضي ككاتبة ومنتجة، وذلك قبل أن تدخل التاريخ كأول مذيعة تشارك في بث نشرة إخبارية أميركية مسائية حيث اشتركت مع، هاري ريسونر، في تقديم أخبار” إيه.بي.سي” المسائية.
ووصفت شبكة “إيه بي سي نيوز” المذيعة الراحلة بأنها “كانت أسطورة حقيقية، ورائدة ليس فقط بالنسبة للنساء اللواتي يعملن في الإعلام بل في مهنة الصحافة بمجملها”، مضيفة في نعيها:”كانت مراسلة فريدة من نوعها أجرت العديد من المقابلات الأكثر أهمية في عصرنا”.
باربرا والتز ظهرت لآخر مرة كضيف مشارك في برنامج “ذا فيو” في العام 2014، مشيرة إلى أنها لا تريد أن تظهر في “برنامج آخر أو تسلق جبل جديد”، مردفة: “أريد بدلاً من ذلك أن أجلس في حقل مشمس، وأن أعجب بعمل النساء الموهوبات للغاية وبعض الرجال أيضًا الذين سوف يحلون مكاني”. ومع ذلك فإن باربرا لم تعتزل نهائيا إذ بقيت المنتج التنفيذي لبرنامجها بالإضافة إلى إجراء مقابلات لصالح شبكة “إيه بي سي”.
باربرا ولدت في مدينة بوسطن في 25 سبتمبر 1929، حيث عمل والدها في مجال الأعمال الاستعراضية، وكان له الفضل في اكتشاف الممثلين الكوميديين فريد ألين وجاك هالي، اللذين برزت نجوميتها في الفيلم الكلاسيكي “The Wizard of Oz”.
وساعد نشوء باربرا في أجواء قريبة من المشاهير على زيادة ثقتها بنفسها وبإمكانياتها، كما أنها اتخذ من إعاقة شقيقتها جاكلين حافزا على النجاح، إذ كانت تربطها علاقة مميزة مع أختها لدرجة أنها أطلقت اسمها على ابنتها الوحيدة التي تبنتها.
وعن علاقتها في طفولتها ومراهقتها بنجوم الفن والتمثيل، قالت باربرا: “”كنت أراهم على خشبة المسرح ينظرون في اتجاه واحد وغالبًا ما يبدون مختلفين تمامًا خارج الكواليس”.
وتابعت: “كنت أسمع والدي يتحدثان عنهما وأعلم أنه على الرغم من أن هؤلاء الممثلين كانوا أشخاصًا مميزين للغاية، إلا أنهم كانوا أيضًا بشرًا يعانون مشاكل عديدة في حياتهم الواقعية”.
والترز كتبت في مذكراتها التي نشرتها في العام 2008: “أعتقد أنني كنت أعرف منذ سن مبكرة أن (شقيقتي) جاكي ستصبح مسؤوليتي في مرحلة ما. كان هذا الوعي أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتني للعمل بجد، ولكن مشاعري تجاوزت المسؤولية المادية” وأضافت: “الكثير من الحاجة إلى إثبات نفسي وتحقيق ذاتي يمكن إرجاعه إلى مشاعري تجاه جاكي.. ولكن ثمة أمر آخر يجعل المرء بحاجة إلى التفوق.. قد يسميه البعض طموحًا.. وقد يسميه رهط آخر عدم الشعور بالأمان”.
بعد تخرجها من كلية سارة لورانس في برونكسفيل بنيويورك، في الخمسينيات من القرن الماضي، وجدت والترز عملاًفي مجال الكتابة التلفزيونية والدعاية، وذلك قبل أن تشارك في إعداد برنامج “توداي” على شبكة “إن بي سي” في العام 1961.
وفي العام 1974، فازت بأول جائزة إيمي كأفضل مذيعة في برنامج حواري متميز.
وعن مسيرتها في التلفزيون، تقول: “لم يفاجأ أحد أكثر مني. لم أكن جميلة، مثل العديد من النساء في التفلزيون، وكان لدي مشكلة في نطق أحد الحروف”، مشددة على أن نحفها وبشرتها الشاحبة وشعرها الداكن لم يقفوا حائلا في رغبتها بالنجاح.
وفي عام 1976، قررت والترز أن تدخل التاريخ بعد أن شاركت في تقديم برنامج”أخبار المساء” على قناة “إيه بي سي” لتصبح أول امرأة تقدم الأخبار في الولايات المتحدة، وفي أول ظهور لها في ذلك البرنامج بتاريخ 4 أكتوبر تمكنت من إجراء مقابلة حصرية مع وزير الزراعة، إيرل بوتز، الذي كان قد استقال لتوه من حكومة الرئيس، جيرالد فورد، بعد أن قال على الملأ نكتة وصفت بأنها “عنصرية”.
خلال مسيرتها الحافلة أجرت مقابلات مع جميع رؤساء الولايات المتحدة وزوجاتهم، ابتداء من الرئيس، ريتشارد نيكسون، وصولا إلى الرئيس السابق دونالد ترامب الذي التقته مع زوجته في العام 2018 قبل أن يدخل البيت الأبيض.
ورغم التقائها بالعديد من زعماء العالم، بيد أن باربرا تعتبر حوارها مع الزعيم الكوبي الراحل فيديل كاسترو من أبرز محطاتها الإعلامية، خاصة أنها التقته في ظل توتر شديد بين واشنطن وهافانا نهاية السبعينات.
في العام 2006، أصدرت والترز بيانًا قال فيه إن الديكتاتور الكوبي وصف المقابلتين معها (الثانية كانت في العام 2002) بأنها “مناظرات نارية”.
وقالت والترز في بيانها: “خلال أوقاتنا معًا، أوضح لي أنه كان ديكتاتورًا غاشما وأنه من أشد المعارضين للديمقراطية”، مضيفة: “أخبرته أن أكثر ما اختلفنا عليه بعمق هو معنى الحرية”.
من أبرز اللقاءات التي أجرتها أيضا، ذلك اللقاء الذي جمعها مع مونيكا لوينسكي في العام 1999، والذي شاهده أكثر من 74 مليون أميركي.
جاء ذلك اللقاء على خلفية الفضيحة التي جمعت بين المتدربة السابقة في البيت الأبيض والرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، حيث واجه وقتها الأخير اتهامات بالكذب بشأن رفضه الاعتراف بأنه قد تحرش جنسيا بتلك الفتاة.
ولدى سؤالها بشأن ما ستخبر به أولادها في المستقبل بشأن تلك العلاقة، أجابت لوينسكي: “سأقول لهم أن والدتهم قد ارتكبت خطأ فادحا”.
انتقدت والترز، التحول الذي شهده الإعلام الأميركي مع بدء الألفية الجديدة، وذكرت أن أي مقابلة مع رئيس دولة كانت تعتبر سبقا صحافيا وكانت تأخذ حيزا مهما من وقت البث.
وزادت: “لكن بما ان القصص عن بريتني سبيرزات (نسبة إلى المغنية بريتني سبيرز) والجرائم الحساسة احتلت المرتبة الأولى في اهتمامات المشاهدين، أصبحت المقابلات مع رؤساء الدول، مع بعض الاستثناءات، تعتبر مملة للجمهور”.
أما عن لقائها مع الرئيس العراقي صدام حسين، قالت والترز إنها اجرت مقابلة معه في العام 1981، موضحة: “كانت إسرائيل قصفت للتو المفاعل النووي العراقي، وذهبت لمقابلة الرئيس العراقي، وكانت تلك مقابلته الأولى مع تلفزيون أميركي”. وشددت على أنها لم تشعر بالخوف أو الرعب من شخصية صدام، قائلة: “”مقابلتنا كانت في الظلام في القصر الجمهوري، الذي استولت عليه قوات التحالف في العام 2003… كان يرتدي بذلة سوداء وبدا جديا مع حضور طاغ. تكلم بهدوء ولم يرفع من نبرة صوته، حتى عندما دان الولايات المتحدة لتسليحها إسرائيل، التي قصفت المفاعل”.
وأكدت أن صدام كان يرفض فكرة إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية، وعندما سألته والترز، من هم إذاً الاسرائيليون؟” أجاب: “يهود فلسطين”، لتعلق في مذكراتها بأنها كيهودية، “شعرت بقلق كبير على إسرائيل من كلام الرئيس العراقي”، لكنها لم تأخذ الأمور على محمل شخصي.
في سياق متصل، أكدت والترز أنها لم تشعر بالدهشة أو الصدمة عندما سمعت نفس الكلام لاحقا من الزعيم الليبي القتيل، معمر القذافي، بعد أن أجرت معه لقاءا في خيمته الشهيرة في العام 1989. وتابعت تصف اللقاء “اتضح أن خيمة العقيد فيها سجاد سميك يغطي الرمال في واحة صغيرة في العاصمة طرابلس، وقد لا تخمن أنها خيمة زعيم البلاد حيث كان يحرسها رجل واحد يجلس تحت شجرة نخيل”.
وزادت: “داخل الخيمة، يوجد المزيد من النخيل ونوق تتجول على سجيتها، وكأن القذافي كان يعيش طفولته البدوية بشربه حليب الناقة”. وذكرت في كتابها “أن الخيمة تقع قرب معقل القذافي المدمر الذي قصفته الطائرات الأميركية والذي تحول إلى مزار… وإلى جانب مدخله، جرى حفظ قبعات طيارين أميركيين شاركوا في غارات على أهداف عسكرية في ليبيا”.
وعندما سألته عن شعوره بوصفه بـ”المجنون” في وسائل إعلام غربية ودولية، أجاب ضاحكا أنه محبوب لدى الكثير من الشعوب في مختلف أصقاع الأرض، وتابعت: “لم يكن لدي تجاهه أي ود بسبب دعمه للمجموعات الإرهابية وتصميمه على إغراق إسرائيل في البحر، لكن خلال ساعتين هما وقت المقابلة، أجاب عن كل سؤال ولم يظهر أي عدائية تجاهي”.
أضافت باربرا: “لكن كانت لديه عادة غريبة، لم ينظر في عيني ولا مرة واحدة بل كان يتلفت إلى مترجمه على يساره أو إلى الأسفل أو الأعلى بينما نظرت أنا دوما إلى عينيه… اعتقدت أنه فعل ذلك لكوني امرأة، لكن زميلي جورج ستيفانوبوليس، الذي جمعته مقابلة بعد سنوات عدة، قال لي إنه واجه الأمر نفسه”.
وعن لقائها بالعاهل السعودي الراحل، الملك عبدالله بن عبد العزيز، قالت باربرا إنه أخبرها بمعارضته للحرب في العراق والحرب في أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كما التقت باربرا بالزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، كان أبرزها في العام 1977 عندما أهداها ثوبا فلسطينيا تلقيديا مرصعا باللؤلؤ.
وفي ذلك اللقاء عام 1977، أخبر عرفات المذيعة الراحلة أنه على استعداد للاعتراف بدولة إسرائيل في ظل ظروف محددة، وضمانات بقيام الدولة الفلسطينية، وفقا لما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”.
والترز كانت أول صحفية أميركية تلتقي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وتقول في مذكراتها أنها سألته ولتكون “شهادة للتاريخ”، فيما إذا كان قد أصدر أي أوامر باغتيال أي شخص، ليجيب بالنفي.
وكانت باربرا، تشدد دائما أنها تفصل مشاعرها الشخصية عن عملها عندما تلتقي أي ديكتاتور أو أي شخص تختلف معه في الأفكار والتوجهات، لافتة في مذكراتها إلى أن كانت ترغب في أن تجري حوارا مع زعيم القاعدة القتيل، أسامة بن لادن، لو سمحت الظروف بذلك.
خلال مسيرتها الثرية، حصلت باربرا والترز على العديد من الجوائز ومبادرات التكريم إذ أقيم لها في العام 2001 تمثال شمعي في متحف مدام توسو في مدينة نيويورك.
وفي العام 2007 حصلت على نجمة في ممشى المشاهير في هوليوود، كما جرى تسجيلها في قاعة مشاهير أكاديمية التلفزيون في العام 1989، وفي مايو 2014، أعيد تسمية جزء من مقر “إي بي سي نيوز” في نيويورك باسم “مبنى باربرا والترز”.
باربرا، التي تزوجت أربع مرات، قالت عندما سئلت ذات يوم عن الإرث الذي سوف تتركه ورائها: “قد يظن الجميع أن ذلك الإرث سوف يتمحور حول إجراء مقابلات مع العديد من الزعماء والرؤساء والمشاهير، ولكنه في الحقيقة إذا كان لدي إرث ما فآمل أن يكون أنني لعبت دورا صغيرا في تمهيد الطريق للعديد من النساء الرائعات في مجال الإعلام”.