لـ “عامودا”، المدينة السورية الصغيرة قاض، كلما جاءه مختصمين اثنين، ما أن يستمع لدفاع المختصم الأول، حتى يقول له:
ـ الحق معك.
وما أن يستمع لدفاع المختصم الثاني، حتى يقول له:
ـ معك حق.
بعد طول زمن، ضجر كاتب المحكمة من القاضي، فهمس له:
ـ سيدي القاضي، ما بالك تقول لكل من المختصمين “معك حق”، ألا يجب أن يكون لك موقفًا من القضايا المطروحة امامك؟
ابتسم القاضي، واستدار الى كاتب المحكمة، وقال له:
ـ معك حق.
واليوم، وأمام استعصاء المسألة السورية، كلما استمعت لخطاب المعارضة في هجائها للسلطة، فما عليك سوى ان تقول لها:
ـ معك حق.
وكلما استمعت لهجاء السلطة للمعارضة، لابد وأن تقول لها:
ـ معك حق.
وستكون المحصلة الصفرية هي النتيجة، فالعنف وقد رافق السلطة منذ النشأة، رافق فصائل المعارضة منذ النشأة إلى مآلها، والفساد كذلك، وسوء الإدارة كذلك، والاستزلام والمحسوية كذلك، وكذلك السقوط المدوي لكل فضاءات المستقبل، وقد توزع انسداده على الطرفين، وما على الشعب سوى أن يسأل القاضي، وما على القاضي سوى ان يكون:
ـ قاضي عامودا.
انتخابات رئاسية بلا ناخب ولا مرشح رئاسي، فهل من “أهبل” يصدّق ان بشار الأسد مرشح رئاسي يواجه خصومًا رؤوساء؟
وهل من أهبل “لايصدّق” بأنه أجرى انتخابات رئاسية، كشفت الكاميرت التلفزيونية عن الآلاف من “الزاحفين” إلى صناديقها، باعتبارها مدفنًا لأصوات الناس؟
إذا قال بشار الاسد انتخابات رئاسية، لابد ونقول له:
ـ معك حق.
والدليل صندوق، وبصمة بـ “الدم”.
وإذا قالت المعارضة:
ـ هذه انتخابات كاذبة.
لابد والقول لها : معك حق.
والناس يدورون في حلقة انسداد أي أفق.. انسداد أفق سقوط النظام.. إصلاح النظام.. الشراكة مع النظام، والاكثر وذاك التوافق على أن يكون للبلد نظام بعض النظر عن وصفه.. نظام فاشي، نظام طغياني، نظام شمولي.. نظام ليبرالي.. نظام ديمقراطي.. شيوعي أو رأسمالي، فليس للبد نظام وما من يوم كانت العصابة فيه تساوي نظامًا، لافي الأنظمة الشمولية ولا في تلك الديمقراطية.. حتى للخيمة نظاماً، والبلاد باتت أقل شأنًا من الخيمة في حسابات نشأة “الدول”.
والزمن متوقف، متوقف تمامًا، وليته زمنًا “سائلاً” كما لو “ساعة بيكاسو”.
زمن خارج أي زمن، وما تبقى من الزمن فيه.. الموت جوعًا.. الموت على أبواب المشافي.. مدافن الهجرة والرحيل، واليأس.
ـ اليأس وحده لم يتعطّل، ما تبقى “جثة”.
و.. الحق مع قاضي عامودا.
كل الحق معه.