قانون مكافحة معاداة السامية في ألمانيا.. حماية أم تقييد لحرية التعبير؟

مرصد مينا

أقر البرلمان الألماني (البوندستاغ) أمس الخميس مشروع قانون جديد يهدف إلى مواجهة معاداة السامية في البلاد، وذلك بالرغم من معارضة قوية من قبل جهات قانونية ومنظمات مجتمع مدني وعدد من الشخصيات اليهودية المؤثرة.

يركز القانون على تعزيز حماية الحياة اليهودية في ألمانيا، لكنه أثار نقاشاً عميقاً بين من يعتبرونه حماية مشروعة لحقوق اليهود وبين من يعتقدون أنه قد يؤدي إلى تقييد حرية التعبير والتأثير على السياسات الثقافية والعلمية.

خلفية القرار وتفاصيله

فكرة مشروع القانون جاءت استجابةً للهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023، والتي أثارت موجةً من التصعيد في الهجمات والمواقف المعادية للسامية في ألمانيا.

وقد اتفقت أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا مع أكبر أحزاب المعارضة، التحالف المسيحي، على نص المشروع الذي ينص على عدم تقديم دعم مالي لأي منظمات أو مشاريع تُظهر معاداة للسامية أو تدعو لمقاطعة إسرائيل.

ويعتمد القانون في تعريفه لمعاداة السامية على التعريف الصادر عن التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA)، والذي يؤكد أن معاداة السامية قد تشمل أيضاً الانتقادات الموجهة لإسرائيل التي تعتبرها الدولة اليهودية تعبيراً عن معاداة السامية.

محتوى القانون وأهدافه

ووفقاً لنص القانون، فإن حماية حياة اليهود في ألمانيا تعتبر “مهمة مشتركة لجميع الديمقراطيين”، ويهدف النص إلى اتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة معاداة السامية، خصوصاً في ظل التصعيد الكبير في هذا النوع من الكراهية منذ أكتوبر الماضي.

كما ينص القانون كذلك على أن “التهديد الذي يواجهه اليهود في ألمانيا ناجم عن معاداة السامية الواضحة في أوساط اليمين المتطرف، وكذلك في الأوساط الإسلاموية والأفراد القادمين من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط”.

وجاء في نص القانون ما يفيد بأن هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات والبلديات لضمان استبعاد أي منظمة أو مشروع يدعو لمعاداة السامية من أي تمويل حكومي، مع التركيز على الالتزام بتعريف IHRA لمعاداة السامية.

وتضمن القانون إشارة خاصة إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ضد إسرائيل، حيث ينص على أن أية دعوات لمقاطعة إسرائيل أو التشكيك في حقها في الوجود تعتبر شكلًا من أشكال معاداة السامية.

انتقادات واسعة للقانون

لكن هذا القانون أثار موجة من الانتقادات بين أوساط منظمات المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان وعدد من الأكاديميين والفنانين، الذين يرون أن هذا القانون قد يهدد حرية التعبير.

وعبّرت منظمة العفو الدولية في ألمانيا عن قلقها من أن القرار لن يحقق الهدف المعلن منه، بل قد يؤدي إلى قمع الآراء وتقييد الأنشطة الثقافية والأكاديمية التي تتناول القضية الفلسطينية أو تنتقد السياسات الإسرائيلية.

كما عبرت مجموعة من الفنانين والأكاديميين اليهود عن معارضتهم للقانون من خلال رسالة مفتوحة نُشرت قبل أيام من التصويت البرلماني.

وقد وقع على الرسالة ما يقارب 150 شخصاً، بمن فيهم شخصيات بارزة في الأوساط الأكاديمية والثقافية، معتبرين أن القانون يخلط بين الهوية اليهودية والدولة الإسرائيلية، وأنه قد يؤدي إلى تعزيز الصلة بين اليهود وسياسات إسرائيل بطريقة تزيد من المخاطر التي يتعرض لها اليهود في ألمانيا.

وجهات نظر قانونية وجدل حول التطبيق

ويرى بعض الخبراء القانونيين أن القانون قد يواجه تحديات في تطبيقه على أرض الواقع، وقد وصف رالف مايكلز، مدير معهد ماكس بلانك للقانون الدولي في هامبورغ، القانون بأنه غير دستوري على الأرجح، مؤكداً أن هذا القانون يمس بحرية الرأي وحرية الفن، التي تعتبر من الحقوق الأساسية التي يحميها الدستور الألماني.

كما أشار مايكلز إلى أن القانون يستند إلى قرار سابق من البرلمان الألماني في 2019 يعتبر حركة (BDS) معادية للسامية، وهو قرار واجه أيضاً انتقادات حادة من بعض الدوائر القانونية.

جدل حول تعريف IHRA لمعاداة السامية

يعتبر تعريف IHRA لمعاداة السامية من المحاور الأساسية في هذا القانون، ولكنه أثار خلافاً حاداً، حيث يرى المنتقدون أن هذا التعريف يدمج بشكل غير مبرر بين الانتقادات السياسية الموجهة لإسرائيل ومعاداة السامية.

وبحسب النقاد، يعتبر هذا التعريف أي دعوة لمعاملة الفلسطينيين بشكل متساوٍ أو انتقاد إسرائيل على أساس حقوقي عملاً معادياً للسامية، مما يخلق حالة من عدم الوضوح ويفتح المجال لتقييد حرية التعبير حول هذه القضايا.

مواقف الجهات المؤيدة والمعارضة للقانون

المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، الذي يعد هيئة تمثيلية للجالية اليهودية، أعلن دعمه للقانون معتبرا أنه “ضروري” لحماية الحياة اليهودية من التهديدات المتزايدة.

كما دعمت الجمعية الألمانية الإسرائيلية، التي تعمل على تعزيز العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل، هذا القانون باعتباره خطوة إيجابية نحو ضمان الأمن لليهود في البلاد.

في المقابل، عارض القانون بعض النواب من الأحزاب اليسارية، بما في ذلك حزب اليسار وتحالف سارة فاجنكنشت (BSW)، وامتنعت بعض الشخصيات عن التصويت، مثل نينا شير من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والتي اعتبرت القانون تقييداً غير مبرر لحرية التعبير.

حرية التعبير وحدودها

أعاد هذا القانون إشعال النقاش الدائر في ألمانيا حول حرية التعبير، خصوصاً فيما يتعلق بحق المواطنين في انتقاد السياسات الإسرائيلية دون أن يُتهموا بمعاداة السامية.

ويعتقد بعض الناقدين أن القانون يحاول توسيع نطاق التزام الألمان بالدفاع عن إسرائيل بطريقة قد تؤدي إلى تقييد حرية التعبير، خصوصاً فيما يتعلق بالانتقادات الموجهة للسياسات الإسرائيلية.

ويرى معارضو القانون أنه قد يؤثر سلبًا على الأجواء الثقافية والأكاديمية في ألمانيا ويزيد من حالة الرقابة الذاتية بين المؤسسات الثقافية والعلمية.

وعلى الرغم من الدعم الذي يحظى به هذا القانون من بعض الأوساط، إلا أن المعارضة القوية له من قِبل منظمات المجتمع المدني والأكاديميين تشير إلى أن الجدل حول حدود حرية التعبير ومسؤولية ألمانيا في حماية الحياة اليهودية بعيد عن الانتهاء.

ويبقى التساؤل حول كيفية تحقيق توازن بين مكافحة معاداة السامية وضمان حرية التعبير في ألمانيا، خاصةً في ظل التوترات المستمرة بين دعم المجتمع اليهودي واحترام حقوق جميع المواطنين في التعبير عن آرائهم.

Exit mobile version