مرصد مينا
هل نلوم الفلسطيني وقد انفجر غضبه على هيئة “طوفان الأقصى”؟ قد لا تصح مثل هذه الملامة، فالفلسطينيون ولم يمنحهم “أوسلو” بعض من الدولة، ولم تمنحهم قوى السلام “خبز يومهم”، سيكونون في حالة قابلة للانفجار، غير أن لهذا الانفجار أوجه كثيرة، وكان ذات يوم أن انفجر الفلسطينيون بمواجهة الإسرائيليين يوم أطلقوا انتفاضة الحجارة، وكانت “الثورة” الأقل تكلفة بما حملت من عائدات أقلها أن العالم، كل العالم وقف إن لم يكن متضامناً، فعلى الأقل “متفرجاً”، واليوم حدث الانفجار المسلّح، وكان وبكل المقاييس صفعة لإسرائيل، حكومة وشعباً، غير أن “الصفعة” باتت ليلة واحدة في أسرّة الإسرائيليين، فما الذي يبيت في أسرّة الغزاويين ما بعد فرحة الليلة الأولى؟
من حيث المبدأ لم يتبق سرير للفلسطيني، فالمبيت تحت وابل من أعتى الصواريخ وأشدها توحشاً، وها هي الأرقام تفيد باستشهاد مالا يقل عن ستة آلاف فلسطيني، جلّهم من الأطفال، وجلّ شهداء الحملة البربرية الإسرائيلية، باتوا بلا حتى مدافن، فالجثامين تتمدد في ساحات المشافي وعلى الأرصفة، بما جعل “الليلة الأولى”، حقلاً من العتمة يحيط بغزة، وبما جعل نهارات غزة غائبة يحجب شمسها دخان الحرائق ودموع الأمهات، وهنا سيكون السؤال:
ـ ألم تحسب “حماس” لكل هذه الويلات؟
إذا كانت تحسب، فهذا لابد وسيحملها الشراكة في هدر هذا الدم الفلسطيني، نقول الشراكة، ذلك ان استدراج القاتل للقتل، هو فعل قتل، ولا صفة له غيرها.
وإذا كانت “لا تعلم”، فلهذا ما يضاعف مسؤولية حماس، فمن يواجه عدوّاً بحجم إسرائيل لابد ويعلم أن إسرائيل ليست وحيدة في معركتها، فثمة أساطيل أمريكية داعمة، وثمة “أوروبا” منساقة، وثمة أمين عام لهيئة الأمم المتحدة لم يوشك أن ينطق كلمة، وهي كلمة بالغة الدقة والضمير، حتى بات هدفاً لا للإسرائيليين بمفردهم، بل إلى ارتفاع همهمات ممثلي دول العالم في الهيئة منددين بكلمته، دون نسيان أن كلمته تلك لابد وتنهي مستقبله السياسي لتتركه وحيداً في برشلونة، ربما لرعاية أسرته، وربما ليكون تحت خطر الاغتيال.
بكل الحالات، طوفان غزة، قد رسم الكثير من ملامح عالم نعيش فيه، بل ربما يميتنا، وهذا العالم يشتغل على “القوّة”، و “وتوازن القوّة”، والمغلوب فيه هو من لا يمتلك أيّ من الخيارين السابقين، ولا شيء ينبئ بأن “حماس” تمتلك لا القوّة، ولا توازنها، ولم تملك سوى مغامرة، بالنتيجة كانت على حساب آلاف الشهداء، والذين يتكاثرون مع مطلع كل يوم حرب، هذا عداك عن التشريد والتهجير بما يجعل من نكبة 1948 مجرد نزهة في قلق المصير.
تلك عنجهية السلاح، وقد قوبلت بحقيقة السلاح، واليوم ثمة جبهة قد تفتتح عروضها ما بين لحظة وأخرى ونعني جبهة جنوب لبنان، الجبهة التي تنتظر قرار الولي الفقيه، وكل من يقرأ حقائق القوّة لابد ويعرف أن فتح مثل هذه الجبهة، لابد ويسوق لبنان كل لبنان إلى مآل غزة، حتى ولو كانت صواريخ “نصر الله” تصيب تل أبيب متخطية القبّة الحديدية لاعتراض وإنتاج الصواريخ.
لحظتها إن حدثت، سيصمت “حسن نصر الله” ليعود ويخاطب الدمار بـ :
ـ ماكنت أعلم.
ما كان يعلم أن صواريخ الولي الفقيه لن تغادر منصاتها في “بوشهر” انتصاراً للبنان.
ما كان يعلم.
ولكن لابد أن يتعلّم ليعلم.