نبيل الملحم
ينادون بـ “الدولة” ويلعنون التقسيم وهم من قسّم الدولة..
يلعنونها إذا لم تكن مركزية محكمة الإغلاق على مركزيتهم، ويرفضونها إذا ما توزعت، ومعها توزعت الصلاحيات.
ينادون بها إمعانًا في الاحتكار، والاستبداد وبمساحة قبضاتهم، وحين تطمح الدولة لتكون جزءًا من جغرافيات كبرى تتبادل الموارد والمهارات والتنمية فلابد ويعلنونها، بل ويفتكون بها لإعادتها إلى حجم القبيلة او الطائفة وبما دون الطائفة وصولاً للعائلة التي رحل معيلها وباتت مزقة متطايرة في الهواء.
يفعلون ذلك، ولولا ذلك لكانت العراق بامتدادها على سوريا وقد ألقت بكتفها على “المتوسط” فيما كتفها الثاني على الخليج”، لشكلت مع سوريا حاضرة إنسانية تنافس وتنمو وتشتغل وتحيي العظام الرميم، غير أن مثل هذا لن يحدث او يلقى قبولاً في ظل صراع دكاتوريتين، كل منهما تطمح لتلتهم الأخرى فينتهي صدام حسين إلى المشنقة ويورِث حافظ الأسد دمشق لمن يمزّقها فيبيعها مرة للإيراني وثانية للروسي وثالثة لنصّاب أو سمسار او ربما قوّاد لم يقرأ تاريخ الحواضر ولم يشهد سباقات الخيول.
يريدونها دولة مركزية، الجزء فيها يلتهم الكل فيتحوّل التعايش إلى زواج قسري، ويحن فيها الكل للانفصال عن الكل، ذلك أن من يخطو في زواريب الدولة، لن يأخذه خياله لتكون “دولة السوق” أو “دولة الإمبراطوريات”.
لن يسوقهم خيالهم سوى إلى الـ “لا”، فلا دولتهم “دولة الامة” ولا دولتهم دولة “القبيلة”.. ليس لها من دولة الامّة سيادة القانون وحماية الحقوق، وليس لها من “دولة القبيلة” مآثر النخوة وحماية الجار للجار..
دولتهم المامولة دولة “شَكَر لا أنثى ولا ذكر”، تتقبلها في تصنيف “الجندر” وترفضها بحسابات الدولة أو الأمم.
يرفضون التقسيم، وينتجون مواطن بلا هوية، هويته مؤقتة لا تتحقق سوى بالرحيل.
يريدونها دولتهم، هُم، أمّا عن هُم، فأصلها في اللغات القديمة تساوي الله، حتى أن الامومة لاتستحق إلاّ بأن تفتح الأم فم وليدها لإطعامه وهي تهمس له “َهم” والفارق شاسع ما بين أمومة من ذاك الطراز، ومسوخ مستبدين من هذا الطراز يحوّلون الـ “هم” إلى نَهمٍ، يرتدون فيها وجوه وعقول وأنياب الضباع.
يريدون “الدولة”، نعم ونحن نريدها.. نريد الدولة بما تعني “الامّة” بروح “الامّة” بـ “امّة لاتضطهد أو تنكّل بأمّة”.
نريدها “امة” وإن لم تكن كذلك، ما معنى هجاء التقسيم.
ـ أمتي تتوسع وأمتهم تضيق.
أريدها أمّة “البحر واحد والسمك ألوان” ويريدونها “طشتًا لغسيل الاوساخ”.