مرصد مينا – هيئة التحرير
يتواصل الكشف عن مزيد من المآسي والأزمات، التي تعصف بأطفال سوريا، بسبب الحرب وما خلفته من آثار اجتماعية واقتصادية، مع إعلان الأمم المتحدة عن تصاعد حالات التقزم لدى الأطفال نتيجة الجوع والفقر وسوء التغذية.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة فإن 34 بالمئة من الأطفال السوريين في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد، الخاضعة لسيطرة المعارضة، يعانون من ظاهرة التقزم، بنسبة زياة وصلت إلى 5 بالمئة عن ما كانت عليه العام الماضي.
يذكر أن الأطفال في سوريا تعرضوا خلال العقد الماضي لانتشار العديد من الأمراض بينها الليشمانيا وأمراض سوء التغذية، بالإضافة إلى تشوهات بالنسبة لحديثي الولادة، بسبب تعرض الإمهات الحوامل لمواد كيماوية، يقال إن النظام السوري استخدمها في قصفه على العديد من مناطق سيطرة المعارضة.
فقر وجوع وفقدان للحلول
حالة التقزم وارتفاعها، يرجعها طبيب الأطفال، “محمد الكامل” بشكل شبه كامل إلى عدم تلقي الأم للغذاء الكامل خلال فترة الحمل، ما ينتج عدم اكتمال لنمو الجنين داخل الرحم، مؤكداً أن ذلك يؤثر على نموه لاحقاً خلال ما بعد الولادة.
كما يوضح “الكامل” أن فترة التقزم تمتد بين عمر الشهر الواحد والستين شهراً، يكون فيها نمو الطفل دون المستوى، بنسب مختلفة ترتبط بعوامل التغذية، بالإضافة إلى العوامل النفسية والجسدية للأم، مشدداً على أن المشكلة تبدأ في أساسها منذ وجود الطفل في رحم والدته.
يشار إلى أن إحصائيات الأمم المتحدة أكدت أن 80 بالمئة من السوريين، أطفالاً ونساءاً ورجالاً، لا يتلقون العذاء الكافي أو المطلوب ضمن الحدود المقرة لصحة الانسان دولياً، وذلك بسبب قلة الدخل وفرص العمل والمساعدات الانسانية الواصلة إليهم.
في السياق ذاته، يؤكد “الكامل” على أن نقص التغذية وعدم تلقي الطفل لحاجاته من الغذاء شكل السبب الرئيسي فيما يتراوح بين 24 إلى 26 بالمئة من الحالات المصابة بالتقزم، وعدم النمو المكتمل، محذراً من أنه سوريا مهددة بجيل كامل يعاني من تلك المشكلة، على اعتبار أن نسبة الأطفال المصابين بها فقط في مناطق إدلب والشمال الغربي، تصل إلى طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال.
يذكر أن الأمم المتحدة قد حذرت في وقت سابق من ارتفاع معدلات الفقر في سوريا إلى 83 بالمئة، لافتةً إلى أن البلاد على شفى مجاعة غير مسبوقة تهدد حياة الملايين.
أسباب اجتماعية
من الناحية الطبية، تذكر طبيبة التغذية “دانا شيخ جابر” أن سن المرأة خلال فترة الحمل يلعب دوراً كبيراً في مسألة التقزم، لافتةً إلى أن زواج القاصرات يعتبر أيضاً من أهم عوامل التقزم، لا سيما بالنسبة لمن يتزوجن تحت سن 16 عاماً.
كما تبين “شيخ جابر” أن جسد المرأة في تلك الفترة يكون في أساسه غير مكتمل النمو، ما يصعب عليها منح الطفل الغذاء الكامل في منطقة الرحم، الأمر الذي يخلق خللاً في هرمونات الطفل والأم على حد سواء.
يذكر أن مسألة زواج القاصرات تعتبر من الأمور وادرة الحدوث في سوريا، إلا أنها تضاعفت خلال السنوات الأخيرة بفعل الحرب، حيث كشفت منظمة “النساء الآن”، عن ارتفاع معدلات زواج القاصرات في سوريا من 7 بالمئة عام 2011 إلى 14 بالمئة في 2018، ما يعني زيادة بمقدار 100 بالمئة خلال سبع سنوات.
تعليقاً على زواج القاصرات وحالت التضاعف فيها، تؤكد الناشطة الحقوقية “جلنار العمر”، أن تلك الظاهرة ارتبطت خلال السنوات الأخيرة بحالات الفقر والجوع، مشيرةً إلى أن الكثير من العائلات وجدت في الزواج حلولاً لتخفيض ضغوط الحياة في ظل الأزمات الحاصلة.
في السياق ذاته، تعتبر “العمر” أن زواج القاصرات قد يكون من جهة قد حل جانباً من أزمة ما، إلا أنه خلق أزمة أكبر وأعم وأكثر ديمومة، لافتةً إلا أنه في كل الأحوال يدفع الأطفال السوريون ثمن ظواهر وأزمات ومشكلات لم يكونوا طرفاً فيها.
عمالة الأطفال.. ظروف شاقة لأجساد ضعيفة
كسبب غير مباشر لتصاعد معدلات التقزم، تظهر عمالة الأطفال في مجالات شاقة جداً، حيث تؤكد الناشطة “العمر” أن نسبة عالية من الأطفال في إدلب تحديداً، يعملون في مجالات لا تتناسب مع أعمارهم كمالميكانيك وأعمال البناء والعتالة في بعض الأحيان، وأن كل ذلك يقومون به في مرحلة النمو ودون تلقي الغذاء الكامل.
يشار إلى أن ظاهرة عمالة الأطفال، بدأت خلال سنوات الحرب باجتياح المجتمع السوري ككل، سواء في مناطق سيطرة النظام أو في مناطق المعارضة، حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 200 ألف طفل سوري عامل في مهن تفوق مرحلتهم العمرية.
إلى جانب ذلك، تشير “العمر” إلى أن عمالة الأطفال أيضاً جاءت نتيجة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية مجتمعة، لافتةً إلى أن آلاف العوائل بلا معيل بعد فقدان الأب، ما أجبر الأطفال على العمل لتدبر أمور الحياة.
من جهتها، توضح طبيبة التغذية، “دانا شيخ جابر” أن العمالة وبعض الأنشطة الشاقة، التي يقوم بها الأطفال قد تلعب دوراً في التأثير على النمو، لافتةً إلى أن حجم الضرر يرتبط بسن الطفل وطبيعة العمل ومدى تأثيره على العظام، وانه كلما كان الطفل أصغر سناً، زاد تأثر نموه بالعمل.
يذكر أن الرئيس السابق للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية، الدكتور “جواد أبو حطب” قد كشف عن مأساة إنسانية في شمال غرب سوريا، تتمثل بوجود نحو 200 ألف طفل يتيم من أصل نحو مليون ونصف المليون طفل موجودين في المنطقة، مع 45 ألف أرملة.
وتعتبر “العمر” أن الحرب في سوريا أتت على الكثير من الأبرياء، الذين لا علاقة لهم بالسياسة، وفي مقدمتهم الأطفال، مؤكدةً أن عوامل التقزم بدأت بالظهور منذ سنوات، خاصةً وأن الكثير من الأطفال الموجودين في الشمال الآن، جاؤوا من مناطق كانت محاصرة في الأساس وعاشت ظروف جوع ومجاعة قاسية، كغوطة دمشق وأحياء حمص والقلمون الغربي، وهم من بدت عليهم أعراض تلك الظاهرة أكثر من غيرهم.
وكان النظام السوري قد فرض خلال السنوات الأولى من الثورة، حصاراً خانقاً على عدة مناطق سورية، كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، وخاصة في أرياف دمشق وحمص، حيث توفي عشرات الآلاف هناك بسبب الجوع والبرد، خلال الفترة بين عامي 2012 و 2015، بحسب مصادر المعارضة السورية.