مرصد مينا
بالنسبة إلى الإسرائيليين هي “حرب وجود”، وبالنسبة للغزاويين هي كذلك “حرب وجود”، اما المحصلة فلن تكون حاسمة حتى ولو رحّل الغزاويون إلى “مجهول ما”، أما عن “رمي إسرائيل في البحر” فتلك مقولة عفى عليها الزمن، فـ “الشركة الإسرائيلية” محمية من أكبر الامبرياليات الدولية قوّة ونفوذاً، وبالتالي فحرب غزّة التي لابد وتتوقف، لن تكون نهاية الحروب، أقلّه إن لم تنتج في السياسة ما تكفلت به الحرب.
حتى اللحظة ليس ثمة خطوة سياسية واحدة تشير إلى استثمار الحرب في السياسة، فاليمين الإسرائيلي يأخذ دلالته من “ديمومة الاشتباك”، وكذا الفصائل الفلسطينية الراديكالية ومن بينها “حماس”، فالحرب بالنسبة لكلا الطرفين هي الاستثمار دون النظر إلى ما بعدها، وهو ما يجعل أثمان الحرب مجرد خسائر لكلا الطرفين مع فارق الأثمان.
قوى السلام في إسرائيل سجينة ومطوّقة وبلا حول ولا طول، فحراس الثكنة لن يعيروا التفاتة لمنطق السلام، ذلك أن السلام يعني فيما يعنيه تقليص دور الثكنة وبالتالي تقليصهم، وما مقتل إسحاق رابين سوى إشارة عن تلك الذهنية التي ستتلاقى مع ذهنية فلسطينية تنمو بنمو عدوها، وكذا كان مقتل ياسر عرفات مسموماً هو واحد من تعابيرها، ما أنتج في سياقه التاريخي معادلة يمكن اختزالها بـ :
ـ تطرف يستمد مشروعيته من تطرف مقابل.
كل ذلك يأتي ما بعد فشل قوى السلام من تعميم نفسها على مستوى الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي، فيما معاهدات السلام التي جاءت “من فوق” لم تحصد سلاماً ولم تكرس ثقافته، وهذه أفواج السياحة الإسرائيلية التي تزور العقبة تخاف من النوم في فنادق العقبة، فيما الإسرائيليون يجيؤون مصر بجوازات سفرهم الموازية، ذلك أن سائق التاكسي المصري لن يكون بخدمتهم رفضاً لوجودهم سوّاحاً على أرض مصر.
غامر أنور السادات و”بشجاعة” في رسم مسار للسلام بمواجهة خطاب التخوين، فقتل السادات، ومضى على كامب ديفيد ما يزيد عن أربعة عقود، وفي العقود الأربعة ما من رواية عبرية ترجمت للعربية، وما من مثيلها ترجم إلى العبرية، ومجموع نخب “هنا وهناك”، إما يستنسخون عن نخبهم السياسية التي تنشد لحرب تعرف أنها ان تقود إلى انتصار، وإما نخب بـ “نصف السنة” خوفاً من التخوين المعمول به والمتوارث من لغة الأمس، وهو ما جعل “كل يوم على جانبي الصراع هو أمسه”، ما يعني أن السلام يبتعد ويبتعد، وهو سلام لن يأتي أو يستقيم أو يدوم مادام سلام “وزارة خارجية مع وزارة خارجية” فيما الناس وعلى جانبي الصراع متعادون، وجود أحدهم يقوم على إبادة الآخر، فلا الإبادة ممكنة، ولا السلام ممكن، وهكذا تتدحرج الكرة الملساء على الزجاج الأملس لتكون الهدنة المعقوبة بالحرب ومن ثم حرب تتلوها هدنة، وما من حصاد لضحايا الحرب، وما من استثمار في أكلافها.
حرب غزّة اليوم تزيد من وضوح الصورة.
دما هنا، وأحلام دمار هناك، و:
ـ الحسّابة بتحسب.
وما من أفق يتلو كل هذا الظلام.