fbpx

قوى الفساد في تونس تتحكم بالأسواق الداخلية وتهرّب المواد الغذائية إلى ليبيا والجزائر

مرصد مينا – هيئة التحرير

أكد رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، ومراقبة التصرف في المال العام بمجلس نواب الشعب، بدر الدين قمودي، إجماع أعضاء اللجنة ووزارة التجارة على وجود فساد كبير في ملف “منظومة الدعم” ككل (من الدعم الموجّه إلى الموّاد الغذائية من الزيت النباتي والحليب…. إلى الأعلاف).

وأشار قمودي، إلى أن الفساد يطال 80 بالمائة من المواد المدعمة ويستفيد منها “بارونات الفساد في البلاد” ولا يستفيد مستحقي الدعم سوى بنسبة 20 بالمائة منه. وخلال الجلسة، أكد وزير التجارة التونسي، أن تونس في مرحلة التفكير في آليات لإصلاح منظومة الدعم بهدف توجيهها إلى مستحقيها. مشيراً إلى أن وزارة التجارة تعمل على رقمنة مسالك التوزيع وتكثيف الرقابة على المواد الغذائية والمواد المدعمة.

تشريع الفساد

وبخصوص منظومة الدعم وضرورة إصلاحها، فإن الموضوع سبق وأن طرح ووضع على كل طاولات الدرس، وتم تدارسه قبل كل من مر بوزارة التجارة من وزراء ما قبل الثورة وبعدها… حتى أن الوزير السابق عمر والباهي، كان قد صرح انه تم الشروع في تركيز واستغلال تطبيقة إعلامية، تمكن من المتابعة الحينية لشراءات المواد المدعمة ولمبيعاتها، وقد أكد في احد تصريحاته على ان استمرار منظومة الدعم بالشكل الحالي يعتبر تشريعًا أكثر للفساد.

لكن يبدو أن الحديث عن إجراءات رقمنة وتطوير تطبيقة إعلامية جديدة لمعالجة معضلة الدعم، وكذلك اجراءات المتابعة لا تغدو أن تكون مجرد كلام نظري غير مفعل على أرض الواقع فالفساد نخر وما يزال ينخر منظومة الدعم إلى حد لا يوصف فساد جعل بعض المواد الأساسية المدعمة تختفي من الأسواق لتباع لاحقا بأسعار أرفع. ويفسر البعض هذا الأمر بأن كبار التجار يتهافتون على شراء المواد المدعمة ثم يعيدون بيعها الصناعيين والمهنيين بأسعار أعلى. ويجمع مسؤولون ومختصون على أنه “حان الوقت لإجراء مراجعة جذرية للدعم والإسراع باتخاذ التدابير العملية ليوجه إلى مستحقيه”. وفي أحدث دراسة أنجزها المعهد الوطني للإحصاء فإن الطبقة الفقيرة تتمتع فقط ب 9.2 بالمائة من الدعم، فيما تحظى الطبقة الوسطى بـ 60.5 بالمائة والميسورون ب 7.5 بالمائة.

مافيات التهريب

وفيما يتعلق بموضوع الفساد الذي طال المواد الأساسية المدعمة، فقد سجلت دائرة المحاسبات ضعف مشاركة المزودين الأجانب في طلبات العروض نتيجة إقصائهم بطرق فاسدة والاقتصار على مزودين بعينهم وعدم تحيين قائمة المزودين وكراسات الشروط المتعلقة بالتوريد وقد نجم عن ذلك إهدار للمال العام من خلال التزود بأسعار ارفع مقابل جودة اقل مقارنة بعروض المزودين الذين تم اقصاؤهم بصفة متعمدة في ظروف فاسدة. والأخطر من ذلك أن تقوم مافيات التهريب بتهريب المواد المدعمة إلى خارج الحدود وتخريب موارد الخزينة العامة، علما أن العقوبات المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل هزيلة.

وقد تضمن التقرير عدد 29 الصادر عن دائرة المحاسبات في جزئه المتعلق بفساد منظومة دعم المواد الأساسية (سكر، حليب، زيت نباتي، حبوب) تضمن جرائم خطيرة مصنفة ضمن الجنايات، وكان على رئيس الحكومة وقتها أن يبادر بوقف صرف الدعم بطريقة غير شرعية ومشبوهة، وإيقاف عصابات الفساد وبالأخص تلك العاملة بالدواوين المعنية بتوريد وتوزيع المواد الاساسية والتي قامت بهدر المال العام وإيقاف العمل بالأمر عدد 793 لسنة 2012 وإحالة الملف على القطب القضائي المالي بالنظر لخطورة الجرائم التي تضمنها.

مسؤولون وأمنيون فاسدون

وفي السياق ذاته، تحدثت هيئة مكافحة الفساد عن استغلال مسؤولين محليين وجهويين بمساعدة أعوان الأمن المكلفون بمنع الاحتكار ووضع أيديهم على كميات كبيرة من المواد المدعمة وبيعها خارج الأسعار القانونية مستغلين ارتفاع الطلب عليها وشحها في مسالك التوزيع المنظمة. إضافة إلى شبهة استغلال نائب بالبرلمان وصاحب شركة لبيع المواد الغذائية بالجملة بولاية القصرين لصفته من أجل احتكار مادة الدقيق المدعم والترفيع في سعره.

وأكدت الهيئة تلقيها إشعارات بخصوص تواطأ وتستّر عمد ومسؤولين محليين وجهويين في عدد من القرى، عن أطراف تتولى احتكار وخزن الدقيق والعلف المدعّم وبيعهما بأسعار غير قانونية في زمن الحجر الصحي … وفي هذا الاطار قال المستشار القانوني للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فوزي الشمنقي، ”انّ التجاوزات والمخالفات المبلّغ عنها ارتبطت بـ 1000 موظّف و5 آلاف تاجر و700 شركة تجارة بالجملة و200 صيدليّة، موضحاً أنّ 60 شخصا ممن تمّ التبليغ عنهم وتعلّقت بهم شبهات فساد لهم صفة مُنتَخب، أي أنهم أعضاء بمجلس النواب أو أعضاء مجلس بلدي كما صرح من جهة أخرى، بأن الهيئة أحالت 100 ملف على القضاء”.

وعلى الرغم من إصدار رئاسة الحكومة للمرسوم عدد 10 منذ 17 افريل المنصرم، الذي يتعلق بضبط أحكام خاصة لزجر مخالفة قواعد المنافسة والأسعار ويشدد العقوبات على كل من يحتكر ويتلاعب بالمواد الغذائية. والذي ينص على عقوبة سجنية بثلاث سنوات وخطية مالية بـ300 ألف دينار ضد كل شخص يتعمد احتكار المواد الاستهلاكية ويتلاعب بالمواد المدعمة، إضافة الى عقوبة غلق المحل ستة أشهر وفي حال العود تصبح سنة كاملة وفي صورة تكرار المخالفة يتم الغلق النهائي. لكن مجرمي الحرب يواصلون احتكار مادتي السميد والفرينة بصفة خاصة وفق ما أفاد به محسن الدالي مساعد وكيل الجمهورية ورئيس وحدة الإعلام والاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس، الذي أكد أن هناك عدداً هاما من المخالفات والإيقافات حتى بعد صدور المرسوم، حيث تمت الإطاحة بمجرمي حرب في كل من ولاية سيدي بوزيد، نابل، تونس القصرين…

تلاعب وتبذير وتهريب

وحول هذا الموضوع، تقول فضيلة الرابحي، المديرة العامة لوحدة تعويض المواد الأساسية في وزارة التجارة، أن كلفة صندوق الدعم في تونس، تفاقمت من 730 مليون دينار في 2010، إلى 1.570 مليار دينار حالياً. وكشفت الرابحي عن “وجود تلاعب وتبذير وتهريب المواد المدعمة، والاتجار فيها بطرق غير مشروعة، واستعمالها في غير الغرض المخصص لها. وأصبحت تستخدم لأغراض الصناعة وللمطاعم والفنادق. وقالت أن الفارق بين الأسعار المدعمة وبين سعرها الطبيعي، يغري المزودين والتجار على بيعه إلى الصناعيين والمهنيين بأثمان أعلى. كما يعد تهريب المواد الغذائية المدعمة إلى كل من ليبيا والجزائر، سببا في تراجع السلع المدعمة داخل الأسواق المحلية. وفي بعض المناطق، أصبح السميد الغذائي، يستغل كعلف للمواشي باعتبار سعره المدعم منخفض جداً مقارنة مع شراء أعلاف مخصصة لها. وعن مسارات إصلاح الدعم في تونس، رأت فضيلة الرابحي أن “أهم إصلاح هو الانتهاء من إعداد المعرف الاجتماعي الوحيد (آلية لحصر العائلات والأشخاص المعنيين بالحصول على الدعم).

وفي السياق نفسه، أكد سليم سعد الله، رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك أنّه “لولا تدخل الصندوق العام للتعويض، لدعم المواد الأساسية لأصيب حوالي ثلث العائلات التونسية بالمجاعة. وأضاف أن “المنظمة رصدت ارتفاعا تصاعديا في جميع المواد الاستهلاكية بما فيها المواد الفلاحية والمواد الصناعية، مما ولد عجزاً هاماً في ميزانية العائلات التونسية التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة”. وأضاف أن عديد الدول، قامت بعدة مراجعات لمنظومات الدعم سواء المحروقات أو المواد الأساسية وعلى تونس النسج على نفس المنوال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى