مرصد مينا – بروفايل
يعتبر الأديب الفلسطيني، “إسماعيل الشمالي”، الذي توفي قبل أيامٍ، أقدم سجين سياسي في سوريا، حيث حاكمه نظام “حافظ الأسد” عام 1995 وسجنه مدى الحياة، بسبب كتاب ألفه.
فيما يلي يتناول مرصد مينا أبرز محطات حياة الأديب، الذي توفي في سجنه بمدينة السويداء، جنوب سوريا، وشيع في مدينة درعا.
البداية من حيث كانت النهاية
أبرز محطات حياة الأديب الراحل كانت عام 1995، وهو العام الذي فقد فيه حريته إلى الأبد، حيث اتهمته المخابرات السورية في ذلك العام، بالإضرار بأمن الدولة، على خلفية كتاب ألفه عن الرئيس العراقي السابق، “صدام حسين” ورأس النظام السوري حينها “حافظ الأسد”، والذي اعتبر تجاوزاً للخطوط الحمراء، بسبب العلاقات المتوترة بين قائدي حزب البعث في سوريا والعراق، والتي وصلت إلى حد قطع العلاقات بين البلدين في ذلك الوقت.
كما اتهمت المخابرات السورية “الشمالي” حينها، بحيازة وثائق تتعارض مع أمن البلاد دون إيضاح ماهية تلك الوثائق، ليصدر قرار بسجنه مدى الحياة، انضم خلاله “الشمالي” إلى عشرات آلاف المعتقلين السياسيين ومعتقلي الفكر في تلك الآونة.
تذهب بعض المصادر إلى اعتبار قضية “الشمالي”، وجهاً حقيقياً للنظام السوري بقيادة “بشار الأسد”، الذي حكم سوريا لاحقاً وتعبيراً فعلياً عن ما قيل في ذلك الوقت عن الانفتاح الذي يقوده الشاب، الذي كان يجهز لحكم البلاد، لافتةً إلى أن أيام سجن “الشمالي”، كان “حافظ الأسد” منهاراً تماماً بعد وفاة ولده البكر “باسل”، وأن أمور الحكم الفعلي كانت تدار من قبل “بشار” بشكل مباشر.
انتقام النظام السوري من “الشمالي”، ووفقاً لما تقوله بعض المصادر، كان شديداً ولا يتناسب مع ما ارتكبه الأديب، مشيرةً إلى أنه مر بأصعب أوقاته في سجن صيدنايا، حيث وضع بالسجن الانفرادي لمدة 4 سنوات كاملة، منع خلالها من أي تواصل، كما أنه منع من أي زيارات لعشرة أعوام.
عملياً وكما يصف مقربون من الأديب الراحل، فإن العام 1995، كان بداية رحلة جديدة “للشمالي” انتقل خلالها من عالم ما فوق الأرض، إلى عالم ما تحتها، والذي تعرف فيه على كافة أفرع المخابرات السورية، مؤكدين أنه منذ ذلك العام تنقل الأديب المعتقل بين مختلف الفروع الأمنية بدءاً من صيدنايا لينتهي به المطاف في رحلته الأخيرة في سجن السويداء المركزي، الذي فارق فيه الحياة.
كما يشكك المقربون من “الشمالي” برواية النظام السوري حول وفاته بنوبة قلبية، مؤكدين أنه انضم إلى قائمة ضحايا انتشار وباء كورونا المستجد، كوفيد 19، والتي تضم حالياً آلاف السوريين على حد قولهم.
الولادة والنشأة
ولد الكاتب الراحل 1953 في مدينة خان يونس الفلسطينية، قبل أعوامٍ من لجوئه مع أسرته إلى سوريا، بسبب اتساع دائرة سيطرة الجيش الإسرائيلي على مناطق في قطاع غزة، لينتهي به الحال وبأسرته لاجئين في مدينة درعا السورية.
على الرغم من عدم انتشار مؤلفات موثقة له، خاصةً بعد حالة القلق التي تبعت اعتقاله، إلا أن مقربين منه، قالوا إنه تأثر في كتاباته برحلة اللجوء والموطن الجديد، خاصة وأنه قضى شبابه ورجولته في سوريا وواكب الكثير من الأحداث فيها، ما ترك بصمة سورية في أدبه، قبل أن يتوقف ذلك الأدب بعد الاعتقال.
وخلال بحث مرصد مينا عن مؤلفات الكاتب الراحل، لم يجد أي أعمال منشورة له على مواقع الانترنت، وهو ما عزاه المقربون من عائلته إلى أن العام الذي اعتقل فيه “الشمالي” لم تكن الوسائل التكنولوجية الحديثة قد ظهرت سواء من ناحية النشر أو الطباعة، لافتين إلى أن ذلك ساعد أمن النظام السورية في ذلك الوقت على مصادرة مؤلفاته وإتلافها.
كما يلفت المقربون من الكاتب الراحل أن وجوده في مدينة درعا السورية طبعه بخصالها وخصال أهلها، خاصة مع حالة التشابه الكبيرة بينها وبين المدن الفلسطينية من ناحية العادات والتقاليد والحياة الاجتماعية، ما شجعه على الانغماس أكثر في مجال الكتابة والتعبير عن أفكاره ومشاعره.
يشير المقربون إلى أن “الشمالي” لم يكن يحمل نفساً معارضاً بشكلٍ كلي ضد نظام الأسد قبل اعتقاله، كما أنه لم ينخرط بأي نشاطٍ سياسيٍ يذكر، لا سيما وأنه نشأ بشكل فعلي، ضمن منظومة العمق الأمنية واليد المشدودة، التي كانت حالت دون قيام أي تيارات سياسية أو فكرية في البلاد، وأنه كان يعيش حياة طبيعية كحياة باقي الناس، قبل أن يعتقل وتدخل حياته في منعطفات عالم الأقبية، على حد قولهم.