مرصد مينا
بلد يتنقّل ما بين الكارثة والكارثة، ثمة كوارث مرئية، أما الكوارث الخفية فلابد أن أجهزة الاستخبارات وحدها من تعلم بها أقلّه بفعل الشراكة في إحداثها.
كارثة الكلية الحربية التي وقعت في حمص، هي واحدة من الكوارث لابد وتغطّى بألف جدار وجدار، أما الكوارث الأخرى فعداك عن القتل والتهجير والمجاعة وقد طالت جميع السوريين باستثناء ناهبيهم، فهي الكوارث المتصلة بشخص بشار الأسد، والتي باتت ملكية حصرية لهذا الكائن.
ما بعد هزيمة حزيران، خرج الراحل جمال عبد الناصر بخطاب وجهه للأمة أنهاه بالاستقالة اعترافاً بالهزيمة، وبغض النظر عن “النيّة” وراء ذاك الخطاب، فقد قدّم الدكتاتور لحظة لابد وتستحق الاحترام وهي لحظة:
ـ اعتراف.
منذ ورث بشار الأسد السلطة والكارثة تلتحق بكارثة لتستولد كارثة، فقد ابتدأ كوارثه بتسليم البلد ومدخرات البلد لحفنة من صبيان البلد تحوّلت فيما بعد إلى ما اصطلح عليه بالاوغارشيا، ومعها امتدت يد النهب إلى مجموع قطاعات البلد بما فيها قطاعات الدولة المنهوبة جزئياً لتمتد إليها يد النهب الكلّي، ومعها اطلق العنان لليبرالية السوق محافظاً على استبداد السياسة، وكان مثاله الأول وأولى رقصاته اعتقال مجموعات المنتديات، بما هو اكثر شراسة من معتقلات والده، وما أن اندلعت الثورة بسلميتها حتى اختار السلاح ولجأ إلى حلول السلاح ومع السلاح خسر ثلثي سوريا ليمد يده إلى من يحميه عبر فتح البلاد لاحتلالين صريحين، الاحتلال الروسي، والاحتلال الإيراني مع ما يستتبع قوات كل منهما من ميليشيات كانت “فاغنر” هي التعبير الروسي، و “حزب الله” هو التعبير الإيراني، فأحال البلاد إلى خرابة دون أن يحقق أيّ انتصار سوى مكوثه في القصر مقطوع اليدين، عاجزاً عن التقدم خطوة واحدة باتجاه أيّ من الحسم سواء منه الحسم بالسياسة أو الحسم بالسلاح، فلم يحمي البلد ولم يحتفظ بالنظام، فخسر الاثنين معاً، وكانت المحصلة النهائية لبقائه في الحكم، تدمير الحكم وتدمير البلاد، وحين سئل ما الذي سيفعله إذا ما عاد به الزمن إلى الوراء، اكد وبلا تردد أنه سيسلك طريق الأمس دون أن يرف له جفن، ما يعني واحد من احتمالين:
ـ إما أن هذا الرجل فاقد للعقل، وإما أنه فاقد للشرف، والاصح أنه فاقد للاثنين معاً.
اليوم وقعت مجزرة مدرسة الحربية، وهي مجزرة وبكل المقايس، وما تبقّى عند عموم الناس ما بعد دفن أولادهم هو السؤال:
ـ على قميص من يعلق دماء ضحايا المجزرة.
ليس ثمة إجابة واحدة يقدّمها النظام مستنداً فيها إلى ما يقنع الناس، فمجمل إجاباته مشكوك بجديتها، ومجمل إجاباته منتزعة من صندوق التهم التي طالما احتفظ بها النظام، غير أننا لو صدقنا فعلاً ما أورده من اتهامات لهذا الفصيل او ذاك، لابد وسيبقى السؤال:
ـ وما الذي حال دون دفاعاتك الجوية من إسقاط المسيرات؟ وكيف لنظام عسكره على هذا المستوى من انعدام الأهلية أن يقود بلداً يُفتَرض أنه على صراع مع إسرائيل وهي البلد الذي يمتلك واحدة من اكبر ترسانات السلاح؟
إذا لم تستطع حماية بيتك من مسيّرة مجهولة النسب، فكيف لك أن تعدنا باستعادة الجولان وثمة من ينسب إليك كلاماً تعِد فيه الناس باستعادة لواء اسكندرون؟
كل ما يتبقّى هو القول بأن الشرف وحده ما يسمح للكائن الآدمي بأن:
ـ ينتحر على بوابة الهزيمة، او أقله يعتذر.
لا هذا ولا ذاك من خصال بشار الأسد.
كل ما هو مؤكد أن كائناً كهذا لم يتعرف على ما يعنيه الشرف.. الشرف الشخصي أو الشرف الوطني، او حتى ادّعاء الشرف.
ينقصه حتى ادّعاء الشرف.