كواليس مملوك .. فيدان

سيكون للمباحثات (الغامضة) ما بين علي مملوك، الرجل الاول في جهاز الاستخبارات السورية، وهاكان فيدان، رجل الاستخبارات الأول في دولة رجب الطيب أردوغان، الكثير من احداث ستقع، أو يخطط لها أن تقع، وكلا الرجلين اليوم، يلتقيان تحت المظلة الروسية.
“مونيتور”، الموقع الأبرز في التنصت على الغرف المغلقة، نشر تقريرًا ربما يمكن وصفه بـ “بالغ الأهمية”، وكان عنوان مانشره:”الأزمة السورية تملي السلام على دمشق وأنقرة”.
ما الذي جاء به تقرير مونيتور؟ ولماذا يكتسب أهميته؟
جاء في تقرير مونيتور أن “الجانب الروسي يعمل على تطوير استراتيجيتين لإحباط اعتراضات تركيا المحتملة على الحكم الذاتي للكرد السوريين. ويمكن أن تؤدي المصالحة المحتملة بوساطة روسية بين “أنقرة” و”دمشق” إلى تغيير مسار الحرب الأهلية التي دامت حوالي 9 سنوات في سوريا وسط مستوى غير مسبوق من الاشتباكات في إدلب”. وأضاف “ولا يبقى معقل المتمردين الأخير تركيا على شفا المواجهة المباشرة مع قوات الحكومة السورية فحسب، بل يختبر أيضًا العلاقات الروسية التركية”.
يذهب التقرير إلى القول بأنه قد “تحولت الجهود الروسية المكثفة إلى حوار مباشر رفيع المستوى بين الجانبين عندما التقى رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان ونظيره السوري اللواء علي مملوك في موسكو يوم 13 يناير، حيث يمثل هذا اللقاء المباشر بين الجانبين أول اجتماع رفيع المستوى بين الجانبين منذ عام 2011”.
وفق التقرير فإن روسيا “وإدراكاً منها لحقيقة أن الأزمة السورية لا يمكن تسويتها دون إصلاح الجسور والعلاقات، فإنها تضغط لاستعادة العلاقات على أساس اتفاق أضنة لعام 1998، الذي ينص على تعزيز التعاون الأمني ضد المنظمات الإرهابية. ويقال إن المسؤولين السوري والتركي اتفقا على خارطة طريق من تسع نقاط لدفع الحوار، بما في ذلك هدف التعاون ضد الإرهاب، وفقا للتقارير التركية”.
استنادًا إلى ماتطلق عليه “مصادر موثوقة”، يقول التقرير بأن “بعض المسؤولين الأتراك رفيعي المستوى من أصول شركسية لعبوا دورًا في تسهيل عملية الحوار. بعد نفيهم من روسيا في عام 1864، كان الشركس منتشرين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبمرور الوقت ارتقوا إلى مواقع ذات أهمية في المؤسسات الأمنية في بلدانهم”. وأن” جنرالًا تركيًا من أصل “شركسي” ترأس أحد الاتصالات منخفضة المستوى بين البلدين وأجرى محادثات مع الوفد السوري برئاسة حسام لوقا، ضابط مخابرات سوري رفيع المستوى”.
وفي سرده لوقائع اللقاءات يحكي التقرير عن ” سابقة هي الأولى من نوعها، وهي مناقشة “فيدان” و”مملوك” أسباب التعاون الممكنة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وجناحه المسلح، وحدات حماية الشعب (YPG) التي يتهمها البعض بأنها تنظيم شقيق لحزب العمال الكردستاني (PKK)الذي تعتبره تركيا -إلى جانب الولايات المتحدة والعديد من القوى الغربية الأخرى- جماعة إرهابية”.
وعلى الرغم من أن الاجتماع الذي وصفه التقرير بـ “المفاجئ”، فـ “قد يتبعه خطوات أخرى”، أما الخطوات الأخرى فتأتي وفق “الطموح الروسي الذي لم يلق قبولا كبيرا حتى الآن من جانب “أنقرة” ولا “دمشق”. وعلى هذا ينقل التقرير مامفاده بأن “الجانب الروسي يعمل على “إعادة الضبط” بين تركيا والنظام السوري لسببين. أولاً، بمجرد عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى طبيعتها، لن يكون أمام القوات المسلحة المدعومة من تركيا خيار سوى التسوية، مما يقلل من احتمال نشوب صراع عنيف؛ سيتعين على تركيا التوقف عن دعم المعارضة السورية المسلحة، وإحباط أي مواجهة محتملة بين الجيش التركي وقوات النظام.
ثانياً، يمكن لتطبيع العلاقات السياسية أن يساعد في التخفيف من حدة المشاكل المالية للاقتصاد السوري، الذي هو على وشك الانهيار بسبب الحرب والعقوبات. وتهدد الأزمة الاقتصادية المكاسب العسكرية التي حققتها قوات الحكومة السورية في ساحة المعركة. وستكون مساهمة تركيا في جهود إعادة الإعمار في البلاد مهمة أيضا”.
ومع ذلك، لا يزال دعم تركيا للمعارضة المسلحة السورية والوجود العسكري التركي في الأراضي السورية يشكلان عقبة أمام حكومة “دمشق”. وفي الواقع، كان الطلب الأول الذي أعرب عنه “مملوك” خلال اجتماع “موسكو”، هو أن تحترم تركيا سيادة البلاد وتسحب قواتها من سوريا على الفور، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”.
في التفاصيل ينقل مونيتور عما يسميه مصادر أن أنقرة: ” أوضحت موقفها بشكل واضح حول مسألة واحدة في المحادثات مع موسكو: قد تفكر تركيا في سحب قواتها من شمال سوريا إذا وافقت دمشق على تنفيذ بعض التغييرات الهيكلية، بما في ذلك الحد من سيطرة النظام على جنوب المنطقة الآمنة ووضع وحدات حماية الشعب تحت سيطرتها الكاملة”.
ووفقًا لمصدرها فـ “لا ينبغي المبالغة في تقدير خارطة الطريق المؤلفة من تسع نقاط ويمكن اعتبارها “أرضية مشتركة” لإطلاق حوار لأن الأسد “قد لا يكون قادرًا على إقناع” قاعدته على شرعية هؤلاء التسعة نقاط”.
الاضافة الاكثر أهمية فيما ينقله القرير هي ” إن القوات الإيرانية قد تختار الانسحاب التكتيكي من مواقعها في أعقاب مقتل اللواء قاسم سليماني وإن تركيا قد تحاول ملء الفراغ” و: “إدارة ترامب لن توقف جهود تركيا لكبح جماح الإيرانيين من أجل دفعهم إلى الوراء”.
الرأي السائد حاليا هو أن تركيا لن توافق على سحب وجودها العسكري من البلد الذي مزقته الحرب دون ضمان وجود آلية للقضاء التام على حزب الاتحاد الديمقراطي وحرس حماية الشعب. وهذا يقود الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كانت الحكومة السورية ستضحي الأكراد السوريين لإصلاح العلاقات مع أنقرة. “الآن، الشاغل الرئيسي للنظام هو البقاء؛ الحفاظ على سلامته الإقليمية ليس أولوية، على الأقل حتى الآن. إنهم ليسوا مستعدين للقتال ضد حزب الاتحاد الديمقراطي ولا لديهم القدرة على ذلك. إضافة إلى ذلك، لن تسمح روسيا والولايات المتحدة بذلك”.
ـ بعد ذلك، كيف سيكون حال الاكراد؟
ترى روسيا وفق تقرير المونيتور أنه “من الضروري أن يتمتع الكرد بالاستقلال الثقافي على الأقل من أجل إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وخاصة حول حقول النفط الخاضعة لسيطرة الجماعات الكردية السورية”. ويقال إن “الجانب الروسي يطور استراتيجيتين لإحباط اعتراضات تركيا المحتملة على هذه الفكرة: إعطاء تركيا حصة في عملية إعادة الإعمار في سوريا وإنشاء كتلة تعاون بين سوريا وتركيا وروسيا لدعم سياسات أنقرة في حرب الطاقة حول موارد شرق البحر الأبيض المتوسط”.
المونيتور تطرح سؤالاً على أهمية بالغة.. السؤال هو:
ـ هل يمكن أن تلعب المصالح المتبادلة حول موارد شرق البحر المتوسط دوراً بناءً في هذه العملية؟
في اجابتها تقول بـ ” إن إستراتيجية تركيا أحادية الجانب لاستكشاف موارد الغاز الطبيعي في المياه تمنع سوريا من اتباع سياسة مستقلة وأن سوريا ستطور على الأرجح استراتيجيتها من خلال أخذ جميع اللاعبين في الاعتبار”.
بعد ذلك مالثابت الذي يراه تقرير المونيتور؟
إن الثابت (فيما يبدو)، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لديه سجل في التراجع عندما يتعلق الأمر بالضغوط عليه. وبالنظر إلى المشكلات المالية التي يواجهها الاقتصاد التركي، فقد يتبع “أردوغان” سجله الطبيعي في التراجع مرة أخرى، في حال حصل على تأكيدات بأنه سيتم منح تركيا حصة في عملية إعادة الإعمار السورية.
Exit mobile version