fbpx
أخر الأخبار

لاتؤدي لهم التحية العسكرية..

الغزل بماضي البلدان العربية المزدهر، كردة فعل عن واقع حالها الهرم، ليس صحيحًا، فخيالات الماضي مزينة بالرغبة.. هو ماض خرج من وطأة الاحتلالات الأجنبية، إلى وطأة العائلات الحاكمة، أقله في سوريا كما مصر، فسوريا ما بعد الاستقلال كانت مملوكة للعائلات الخمسة، أما بقية الناس فكانوا مزارعين أو أقنان، أو تابعين.

تلك حقيقة، غير أنه مع هذه الحقيقة، كانت البلاد في حالة من الوعد.. وعد الديمقراطيات والتطور المدني، فالاقطاعي (شكري القوتلي)، كان (ملك المشمش)، ما يعني أنه ملك الانتاج البضاعي، وفي شمال سوريا، كان أصفر ونجّار، وكانا قد أحدثا أول استمطار صناعي في التاريخ، وكانت حقولهما قادرة على اطعام العالم الثالث قمحًا قاسيًا، ومع مشمش القوتلي وقمح أصفر ونجار، كان ثمة برلمان، وهو برلمان حقيقي، يتشاجر فيه خالد العظم، ممثل الاقطاع والبورجوازية الوطنية الصاعدة، مع خالد بكداش الممتد حتى حدود الكومنتيرن براياته الحمراء، وكان لشارع واحد في دمشق 56 صحيفة ومجلة، تصدر ما بين مسائية وصباحية ويومية وأسبوعية، وبالنتيجة، كان دخانًا أبيض يصدر من نوافذ الاقطاع باتجاه بلد مدني، قادر على الالتحاق بالعالم المتحضر، كما لو كان ماليزيا اليوم.

ما أن انقض العسكر على السلطة، حتى تحوّلوا إلى اقطاع، ولكنه ليس اقطاع “المشمش” ولا إقطاع “القمح”، لقد كان اقطاع المرابي والكومبرادور والموظف الحكومي، اقطاعًا الغى البرلمان، وكتفى بصحيفته التي بوسعك اقتناء عدد واحد منها وفي اي يوم من السنة، دون الحاجة للمزيد، لأن ما بعده وما قبله هو استنساخًا عنه، أما الشاشة فقد خصصت للمسيرات المؤيدة لزعيم خالد، ثبت أنه ليس خالدًا أقله بعد أن طاله الموت كما كل الكائنات.

التغزل بمرحلة الخمسينات، ليس صائبًا بالتمام والكمال، فثمة من يؤرخ بالرغبة لا بالوقائع، ولكنها رغبة تستند على حقيقة ما.. حقيقة مضخمة، مبالغ بها، صحيح، غير أنها حقيقة.. جنين حقيقة، ولكن ما الجنين االذي حمله العسكر الى السلطة؟

هو جنين الهيمنة ، العنف ، السطو على الأرزاق حتى بات اقطاع السلطة أكثر ضخامة وتورمًا بآلاف المرات من الاقطاع التقليدي، بفارق أن الاقطاع التقليدي، ووفق منظومة قيمية منسجمة مع نفسها، كان اقطاعًا وطنيًا بطريقة أو بأخرى.. بشكل أو بآخر، فلا مزارع يجوع، ولا مواطن يهتك عرضه تحت اسم “تحرير فلسطين”.

ـ تحرير فلسطين نعم، ومن أجل التحرير، كانت هزيمة 56 تلتها هزيمة 67 تلتها هزيمة 73 تلاها اجتياح بيروت، ومع كل هزيمة شعار جديد، ومع كل شعار جديد مظلة جديدة للعسكر وقد تحوّلوا إلى مرابين، يمتلكون جيوشًا كل مهماتها تحرير البلاد من سكانها بديلاً عن تحرير فلسطين، فيما الجنود حفاة عراة، حجم المعارك التي قتلوا فيها بمواجهة مواطنيهم تساوي أضعاف أضعاف الذين قتلوا في جبهات الحرب على حدود فلسطين.

واليوم؟

ليس ثمة من غطاء يسمح باستمرار عسكرة المجتمعات العربية، ولا الانفاق على جيوشها، ولا منح السيادة لجنرالاتها، ولا القاء التحية العسكرية على المارين منهم في شوارع العواصم محملين بأوسمة لم ينالوها بالحرب الظافرة وإنما نالوها بالسطو على ممتلكات ومدخرات الناس.

عالم جديد سيأتي.. عالم لاتحية عسكرية فيه.

ثمة تحية واحدة تصلح لتكون تحية الناس للناس.

ـ هاتوا قمحًا وأعيدوا للشام مشمشها.

ـ سوى ذلك هو احتلال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى