كلما ارتفع هوس الإيرانيين بكرة القدم، كلما تضاءل ولاءهم للولي الفقيه، بما يجعل كرة القدم فعلاً سياسياً يتجاوز تلك الكرة والمرمى إلى ماهو أوسع، فبعد تأهل المنتخب الإيراني، وهو منتخب موهوب بكل المقاييس لخوض ثلاث مباريات متتالية، ماسيؤدي نظريًا على الأقل لكسب إيران مكانًا في الخارطة الدولية، هذا نظريًا، وبالنتيجة سياسيًا واقتصاديًا، غير أن البحر لايشاء مايشاءه الغطّاس على الدوام،
هذه النتيجة، هي ماوصل اليها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وكان عومير كرمي، قد استعرض حقائق البحر، ومن ثم ماسيؤول إليه الغطّاس، ففي نيسان/أبريل الماضي، استعرض نائب رئيس الجمهورية الإسلامية محمد مخبر، سبعين مجالاً من التعاون الاقتصادي المحتمل خلال بطولة كأس العالم، مثل استضافة المشجعين في الجزر الإيرانية في “الخليج الفارسي” ونقل السياح ذهاباً وإياباً إلى قطر. لكن في الآونة الأخيرة، ذكرت صحيفة “دنياي اقتصاد” الاقتصادية أن “أياً من الوعود التي قطعها المسؤولون الإيرانيون لم يتحقق”، بينما أشارت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية إلى أن 20.000 غرفة فندقية إيرانية مخصصة لسائحي كرة القدم بقيت فارغة – وهو وضع تفاقم من دون شك بسبب قيام النظام باحتجاز شخصيات رفيعة المستوى من الأجانب أثناء الاحتجاجات.
في الماضي، والكلام لعومير كرمي، وهو الباحث في المعهد ، ساعدت الرياضة قادة إيران على حشد درجة معينة من الوحدة الوطنية على الرغم من السخط العام المتأجج. اما اليوم فما الذي حدث؟
لقد دفعت الانتفاضات الشعبية في إيران العديد من الرياضيين الحاليين والسابقين للوقوف مع المتظاهرين. وكان نجوم كرة قدم إيرانيون على غرار علي كريمي وعلي دائي قد دعموا التظاهرات منذ بدايتها ورفضوا مؤخراً دعوات لحضور كأس العالم. ورداً على ذلك، وجّه لهم المتشددون تهديدات طالت أصولهم وحتى حياتهم. وفي الشهر الماضي، حذرت صحيفة “جافان” التابعة لـ “الحرس الثوري الإسلامي”، دائي من أن “كل من لا يعرف حدوده سيهْلَك”، بينما اتُهم كريمي غيابياً بـ “العمل ضد الأمن القومي”.
وفي عرض آخر للتضامن، التزمت المنتخبات الوطنية لمختلف الرياضات الصمت عندما عُزف نشيد الجمهورية الإسلامية خلال المنافسات الرياضية الأخيرة، بما في ذلك كرة السلة، وكرة الماء، وحتى فريق كرة القدم خلال المباراة الودية الأسبوع الماضي ضد نيكاراغوا. وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر، قال المدرب كارلوس كيروش للصحفيين إن لاعبيه يمكنهم الاحتجاج إذا كانوا يريدون ذلك طالما أنهم يحترمون قواعد كأس العالم ومعنويته؛ وبعد يومين، قال اللاعبان المتميزان علي رضا جهانبخش وعلي رضا بيرانفاند إن غناء النشيد [الوطني الإيراني] والاحتفال بالأهداف قرارات شخصية لكل لاعب في المنتخب. وحظيت القضية باهتمام إعلامي بارز، وأفادت بعض التقارير أن النشطاء يخططون للاحتجاج داخل المباريات الإيرانية وخارجها، مما يجعل النظام أكثر حساسية تجاه أي دعم رمزي من الفريق. وحذر أحد البرلمانيين السابقين هذا الأسبوع من احتمال استبعاد اللاعبين الذين لا ينشدون النشيد الوطني أو يحتفلون بتسجيل الأهداف. ووفقاً لبعض التقارير سعى النظام أيضاً للسيطرة على التغطية الإعلامية الفارسية للمباريات من خلال إقناع قطر بحظر شبكة واحدة على الأقل متعاطفة مع المحتجين ونعني بها “ايران إنترناشونال” ومقرها لندن.
من المثير للاهتمام، أنه خلال مساعي النظام لحشد الدعم الشعبي ضد التظاهرات، ركز على مواضيع قومية وليس دينية. فالرموز الوطنية والجماعات العرقية تغطي عدداً كبيراً من الجداريات المقامة حديثاً في شارع “ولي عصر” في طهران، وهدفها هو حشد الناس حول روح وطنية وحثهم على منع إيران من “الوقوع في أيدي العدو”. وظهر في إحدى اللوحات الجدارية النشيد الوطني غير الرسمي “إي إيران”، الذي نُشر للمرة الأولى خلال حكم مملكة بهلوي.
ويستخدم النظام فريق كرة القدم لأغراض مماثلة. ففي 13 تشرين الثاني/نوفمبر، كشف النقاب عن لوحة جدارية تظهر اللاعبين برفقة أبطال قدامى ومن فترة ما قبل الإسلام. واحتل الفريق أيضاً الصفحات الأولى لمعظم الصحف الكبرى طوال هذا الأسبوع. وعندما التقى الفريق بالرئيس إبراهيم رئيسي، كان عنوان اللقاء “من أجل العلم الإيراني”، وحصل رئيسي على القميص الفخري “اللاعب الثاني عشر”. ومع ذلك، أثارت جهود الاحتفال بالفريق وتخفيف الأجواء غضب العديد من الشباب الإيراني، حيث قام بعض النشطاء بانتقاد الفريق لنشره صوراً مرحة بينما يتعرض شباب آخرون للضرب والقتل في جميع أنحاء البلاد.
في هذا السياق سبق واشتغل نظام الملالي على احتواء لاعبي كرة القدم، ولكن تحت مظلة “الفارسية الايرانية” لا “الإسلام الإيراني”، وذلك لعلمه المسبق بضمائر لاعبي ككرة القدم التي تعترض وجود “الولي الفقيه”، وهذا جزء كبير من لاعبية المنتخب الإيراني يتضامنون مع ثورة الصبايا، وعلى سبيل المزاح، في نيسان/أبريل الماضي غرّد المتحدث باسم رئيسي أنه على نجم كرة القدم سردار آزمون أن يلتقي بقائد القوات الجوية في “الحرس الثوري الإسلامي” لطرح وتبادل الأفكار قبل المباراة ضد الولايات المتحدة، في إشارة ضمنية إلى أن كلمة “سردار” تعني “جنرال”. لكن بحلول أيلول/سبتمبر، كان آزمون قد نشر دعمه للاحتجاجات على حسابه على موقع “إنستغرام”. لكنه حذف المنشور بعد بضع ساعات وتمّ إدراج اسمه في النهاية ا ضمن قائمة المنتخب الوطني. وتبرز هذه الحادثة الحالة غير المستقرة لميزان طهران الخاص بالربح-المخاطرة في كأس العالم 2022 في قطر.
المنتخب الإيراني الذي يلعب في نهائيات كأس العالم اليوم لايلعب لحساب الملالي، هو يلعب لحساب ناسه.. ناس طهران الذين أنشدوا:
ـ السقوط للدكتاتور.
لقد خذل البحر الغطّاس / المرشد.
غطّاسو مباريات كأس العالم من الإيرانيين، غطسوا لحساب :
ـ إيران المتحررة من المرشد.