هزيمة الثورة السورية، وضياع الأمل، يسمح بالكثير:
ـ يسمح بتداول السوريين لخبر مفاده أن أرصدة السوريين من ناهبي البلد تخطّت 10 مليار دولار في مصارف لبنان، ضاعئة أو مؤجلة، أو بحكم الضائعة.
ـ يسمح بالمزيد من تغوّل النظام وتعسفه على حياة الناس ومطاردتهم حتى وسائدهم.
ـ يسمح ببيع نفط البلد المأمول إلى الروسي.
ـ يسمح للإيراني بالتجوّل في إعادة إعمار البلد بعد الاستيلاء على ما أحرقه حرسه الثوري.
ـ يسمح لرغيف الخبز أن يغدو من العجائب السبعة.
ـ يسمح لصقيع الشتاء بأن يأكل حليب المرضعات ويلتهم أصابع أطفالهن.
ـ يسمح لملايين الشباب الذين هاجروا البلاد بأن لايفكروا في العودة اليها.
ـ يسمح للزعران بانتشال أمان الناس ونوم الناس وما تبقّى من حياة الناس.
والكل يعلم أن سوريا اليوم ستكون أحوج للثورة من أي من أيامها السابقة، فالتفاوت ما بين الناس، قسّم البلد إلى طبقتين يفصلهما جدار بالغ الثخانة، طبقة المعوزين الذين ينامون تحت خط الفقر، وطبقة أثرياء الحرب والفساد وقد بلغت مدخراتهم أرقامًا فلكية.
وهاهم السوريون يتابعون يوميات ثورات الجوار:
ـ ثورات على الفساد والاثراء السفيه.
ـ ثورات على احتكار السلطة وتداولها ما بين اقطاع الطوائف والمذاهب والأحزاب.
وثورات شباب يطمحون للعيش في بلدهم.. بلدهم دون ركوب البحر وتعسف اللجوء ومهانة الانتظار على بوابات المانحين.
الشباب السوريون هم كذلك يحلمون بأيام أخرى:
ـ أيام يسود فيها القانون.
ـ تحترم فيها سلطة القضاء.
ـ يتداول فيها الناس السلطة مطلقين لارادتهم حق الاختيار.
ـ أيام لاينامون في السجن او بانتظار السجن.
ـ أيام يحتفل فيه الأب بميلاد الابن.
ومع كل حلم تعود أعوام الجحيم، أعوام االقصف الجوي والبراميل المتفجرة.
أيام الاعتقالات والتغييب القسري والنوم في المجهول.
أيام من باع ثورتهم من ثوريي الفنادق والتكسب من لعبة التدويل.
أيام انتعش فيها الهتاف وابتكار أساليب الكفاح الوطني، ثم سرقها اللصوص.
السوريون يحلمون بأيام يصرخون فيها:
ـ برا برا برا.
السوريون محبطون، وهاهم اليوم ما بين ثورة انتكست وثورة لن تكون.
هكذا يحكي شاب سوري يتجوّل في بيروت، وبلهجة ببيروتية صرفة يقول:
ـ كنت سوريًا.
واليوم؟
ـ اليوم؟ لايوم للسوري.
يقولها بحسرة من لم تسعفه الهجرة ولم يأخذ أحد بيده إلى الرجوع.