لبنان .. الطريق أم قارعة الطريق

نبيل الملحم

اللبنانيون منقسمون، وعلى مدى التاريخ كانوا منقسمين، فالدولة لم تأت من ضرورات الجغرافية، وقد جاءت من ضرورات السياسة، أما المجتمع، فلم يجتمع سوى “كل إلى طائفته”، ومن يخرج “يُعزل أو يُزندق”، وحين لم يكن للبلد محتل كان يبحث عن محتل، أو كاد يبحث عن محتل، فيما الحروب الأهلية كلما غابت عن الزواريب حضرت في اللغة والخطاب، وهكذا حال الأيام الفائتة كما حال لبنان اليوم.

لبنان اليوم، الجائع، المفلس، يراكم على الجوع جوعًا وعلى الإفلاس إفلاسًا، والكل بمواجهة الكل، فإن لم يكن “بالسيف كان بغيره”، فيما الشباب، كل الشباب، يذهبون إلى ساحات التظاهر صباحًا، وينامون في حضن الطائفة ليلاً، والورم يكبر، والمصير إلى المجهول، ويزيد في تجهيل المصير أمران:

ـ قوى تقول بالاستقلالية، تقاد بالنهب والفساد.

وقوّة تحتكم إلى السلاح فتفرض بالسلاح ديمومة الحال بما يبقي تغيير الحال من المحال، وهي القوة الأعتى والأقوى، وهي المسيطرة وموزعة النقمة والنعمة.. النقمة على الخصوم، والنعمة على المناصرين، وبمناصريها تخوض لعبة الموت، إن لم يكن في لبنان وحده، ففي الشام واليمن والعراق، وتستمد شرعيتها من “إمام غائب”، لا أحد يعرف حقيقته، ولا سياساته، ولا كيف سيحضر ولا برنامجه للخلاص، وحين يكون الخلاص بالانتفاض على “كلن يعني كلن”، تتمزق رايات المنتفضين وقد توزعوا ما بين أحزان اللاجدوى، وطغيان الزعامات، ولعبة السفارات، وبوابات الجي ان اوز التي تحيل المناضل إلى مستثمر، والمستثمر إلى عميل، والعميل إلى مشروع قاتل إن تسنى له امتلاك السالاح.

لبنان اليوم على المفرق، وكان على المفرق على الدوام، غير أن مفرق اليوم، قد يكون أشد وقعًا وتعقيدًا من كل مفارق الأمس، فالمجاعة تاكل الناس، والجريمة تنتشر على المفارز والطرقات، وإن لم ينتشل لبنان نفسه اليوم فسيساق إلى مصير طويل مجهول.

الانتخابات النيابية على الطريق، والبرلمان باتساعه او بضيقه لن ينتشل الزير من البير، ولكن قد يؤسس للانتشال، انتشاله من براثم “الدولة العميقة” التي تحتضن الخصوم كل الخصوم، ليكون الكل في علبتها بدءًا من حسن نصر الله وحزبه، وصولاً لخصمه سمير جعجع والقوات.. كلهم من مواليد الدولة العميقة:

ـ دولة السطو.

ـ دولة السمسرة.

دولة الحروب الأهلية والاحتكام الى السلاح.

دولة المجهول المولودة في المجهول والذاهبة اليه.

واليوم، ثمة من يصرخ:

ـ هنا الوردة، فلنرقص حول الوردة.

من سيفوز بالرقصة؟

زعران التاريخ، ام شباب يدركون كل الإدراك بأن التاريخ ليس قدرًا بقدر ما يمكن أم يتحوّل إلى تاريخ الناس بعد أن استمرأ أن يكون تاريخ الفساد والاقتتتال.

بانتظار مايؤول اليه لبنان.

Exit mobile version