fbpx
أخر الأخبار

لبنان : “تاع ولا تجي”

يظهر حسن نصر الله على شاشته، ويبلغ سعد الحريري  موافقته على وزارة اختصاصيين، ثم ينصحه بأنها ستكون حكومة بلا أكتاف ولا ظهر، والنصيحة تأخذ شكل التهديد عبر التلويح بالسبابة، كما لو أنه يبلغه “مصائب لبنان في ماضيه وحاضره سنلقيها في وجهك”.

ويطلق الجنرال عون من قصره الرئاسي دعوة هي التاسعة عشر للحريري، ومع كل “تاع”، يلحقها بـ “لاتجي”، وفي برنامج هو الأكثر توترًا يسأل قيادي من “القوات اللبنانية” وبعجرفة وتهكم بنتًا تنتمي إلى الثورة، وعمرها لايتجاوز (25) عامًا:

ـ من أنت، وماهو تاريخك؟

ومتى؟

بعد أن يعلن حرصه على تأييد شباب االثورة.

وينهال الهجاء على شخص رفيق الحريري، باعتباره “سارق لبنان” و”زلمة عنجر”، وفي اللوحة:

بنت بلا تاريخ، وسياسيون لهم تاريخ، وكل الفارق أن البنت بلا تاريخ، أما من تبقى فله تاريخ، هو تاريخ:

ـ الحواجز، القتل على الهوية، تدمير الكنائس والمساجد والزوايا، والدفع إلى حرب أهلية، أنتجت أمراء طوائف، وسلاح طوائف، ولصوص طوائف، ثم جاء الأمير الأقوى، واللص الأقوى والسلاح الأقوى ليحصد الأقوياء مستعينًا بخامنئي.

والبلد يجوع، والبلد يتعرّى، والبلد ينهك، والناس ينامون على أمل أن لايستيقظوا من نومهم، وقد تحوّل كل مايحيط بهم إلى “خردة”.

الميناء خردة، والمصرف خردة، والمشفى خردة، والجامعة خردة، وما بتقى هو أن يبيع الناس بيوتهم باعتبارها من مستلزمات  الخردة.

وهاهو الحال، فبعد خمسة أشهر من التكليف المتعثر والوقت الضائع، عاد الملف الحكومي الى معادلة «اذا مش الاثنين، الخميس»، فهل ستمر الحكومة من خرم الإبرة، ام انها ستكون ضحية جولة جديدة من المناورات السياسية؟

هو السؤال الذي يواجه اللبنانيين، الذين يعرفون بالتمام والكمال أن لاوزارة “تشيل الزير من البير”، ولكنهم يتمسكون بمقولة “ظل راجل ولا ظل حيطة”، فينتظرون ظل الراجل وقد تهدمت على رؤوسهم كل “حيطة”.

كان الرئيس “عون”، أول أمس،   قد رمى ، عبر خطاب الدقائق الاربع، حجراً في المياه الحكومية الراكدة التي تحولت مستنقعاً بفعل المراوحة المستمرة منذ خمسة أشهر، وقد لوّح بمطلب أن يعتذر الحريري عن التكليف الوزاري.

يعلم عون في قرارة نفسه انّ الرئيس المكلف سعد الحريري لن يعتذر، خصوصا اذا أتت الدعوة إلى رحيله من قصر بعبدا تحديدا، ذلك ان رئيس تيار المستقبل الذي استعاد حساسيته المفرطة حيال كل ما يتعلق بدوره وصلاحياته كرئيس مكلف وكممثل للمكون السني لن يقبل بالرحيل تحت ضغط رئيس الجمهورية الماروني، بل انّ المعادلة التي وضعها عون امامه (إمّا التأليف وإمّا الاعتذار) ستدفعه الى التمسك اكثر من اي وقت مضى بالتكليف، سواء طال الانتظار او قصر، متّكئاً على انتفاء اي مهلة إلزامية للتشكيل في الدستور.

ولأنّ عون على دراية بهذه الحقيقة، ويدرك ان مطالبته الحريري بالاعتذار اذا عجز عن التشكيل ستعطي مفعولاً عكسياً في بيت الوسط والبيئة السنية، فالأرجح انّ ما طرحه في الخطاب المختصر كان يرمي الى تحقيق هدفين: الأول حَضّ الحريري على تشغيل محركاته من جديد وتقديم افكار مقبولة بدل البقاء في موقع المنتظر والمتلقي، والثاني الانتقال من الدفاع الى الهجوم على قاعدة تبرئة الذمة وتحميل بيت الوسط مسؤولية القرار الذي سيتخذه بعدما نجح الرئيس المكلف خلال الفترة السابقة في إعطاء انطباع بأنّ الكرة في ملعب عون والنائب جبران باسيل، وبأنّ ولادة الحكومة تتأخر بسبب سلبيتهما وعنادهما.

بالنتيجة، يمشي عون على قاعدة “تاع ولا تجي”، ويقابله الحريري بـ “رح اجي وما اجي”، وليس ثمة حكومة في الأفق، في بلد بات بلا أي مرجع، فحكومة “دياب” معطّلة، ولن يحييها وعود حسن نصر الله بإيقاظها، وحكومة الحريري لم تولد بعد، وإذا ماولدت فليس أمامها سوى:

ـ أن يشكل الحريري حكومة فيها حصة لحزب الله (بالخفاء أو بالعلن) وهذا يعني قطيعة أقله مع المجموعة الخليجية، وإن لم تكن القطيعة، فالسلبية، وإدارة الظهر، وليس مطلوبًا من السعودية أن تمد حكومة بالمال والمعونات وخشبة الانقاذ فيما “لاشغلة ولا مشغلة” لحزب الله سوى التشهير بالمملكة، والتحالف مع خصومها في العراق واليمن.

ـ أن يشكل حكومة خالية من حزب الله، فهي حكومة مسحوب البساط من تحتها في المعادلة الداخلية، فحزب الله الذي يعرف كيف يمارس الاغتيال الجسدي يعرف كيف يمارس الاغتيال السياسي.

أما الاستمرار في العناد، فلاشك بأن الحريري يعلم باليقين، ان توازنات لبنان لا تتحمل في الظروف العادية الامعان في العناد والمكابرة والكيدية وتكسير الرؤوس، فكيف في الظروف الاستثنائية التي يمر فيها البلد حاليا على وقع الانهيار الشامل. وبالتالي، لا بد في نهاية المطاف من الحوار والتسويات مهما طالت القطيعة والنزاعات، ولذلك هناك من يحضّ عون والحريري على اختصار المسافة والوقت، وتحقيق التفاهم اليوم قبل الغد، لأنه كلما تعثر تصبح كلفة تأخره أعلى، علماً ان لا مفر منه عاجلا ام آجلا.

بالنتيجة، ما المطلوب:

عون يطالب الحريري بتوقيع بيان استسلام، والاستسلام ليس للعجوز عون، بل الاستسلانم للصهر المدلل وقد ورث البنت والقصر.

وحزب الله يطالب الحريري بنصف الاستسلام، ليمنح النصف الآخر من الاستسلام للريس عون وصهره.

ومع نصف الاستسلام هناك، ونصف الاستسلام هنا، تكون اليد الطولى لحزب الله الذي يبدو حتى اللحظة وكأنه يجلس على رأس التلة متفرجًا، وهو الصانع للعبة مرتين:

ـ مرة عبر تحالفه مع الرئيس عون، ومرة عبر احتوائه لسعد الحريري.

وفي الخلفية يلعب نبيه بري لعبة الارنب والقبعة، في سيرك اسمه لبنان ليصب كيفما اتجه في مساحة “حزب الله” الذي احتكر القسم لأكبر من الشيعة تحت عباءته.

وما الذي سيتبقى للبنانيين؟

وبطبيعة الحال نعني باللبنانيين هنا عمال المرفأ، وزرّاع البطاطا، ومعلمي المدارس، والشباب المنهكين في الحصول على مقعد في الجامعة؟

ـ تبقى الهجرة، والهجرة وحدها، وعلى بوابات السفارات، كذلك سيكون حالهم، فالسفارات مازالت تناديهم وتقول لهم:

ـ تاع ولا تجي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى