
صندوق المرصد
تغيّرت قواعد اللعبة، ولم يعد ممكناً التعامل مع الواقع كما كان في الأمس القريب، كل المعطيات تشير إلى مرحلة جديدة تتشكّل في لبنان والمنطقة، والكل معنيّ بمواجهة الحقائق كما هي.
حزب الله يمرّ اليوم بأضعف حالاته منذ تأسيسه، لا بسبب تبدّل الإرادات الدولية فحسب، بل بفعل المتغيرات الميدانية الصلبة:
معظم مواقع الحزب العسكرية والاستراتيجية ضُربت خلال حرب الإسناد مع إسرائيل، بعد أن طالت تلك الضربات قيادات الصف الأول والثاني، بل وجزءاً من الصف الثالث داخل البنية التنظيمية للحزب.
سوريا، التي شكّلت لعقود المدى الحيوي وخط الإمداد الأبرز لحزب الله، باتت خارج المعادلة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وانكفاء الدولة السورية عن لعب أدوارها السابقة.
إيران، التي طالما كانت الداعم الرئيسي سياسياً ومالياً وعسكرياً، تواجه اليوم حرباً مفتوحة مع إسرائيل، وصلت إلى عمق أراضيها، واغتيل خلالها أبرز القادة العسكريين والأمنيين الذين لطالما مثّلوا رأس الحربة في دعم الحزب.
سلسلة من الضربات المتلاحقة، جعلت حزب الله مكشوفاً أكثر من أي وقت مضى، ومحروماً من مقوّمات الاستمرار بالشروط التي اعتادها.
أكثر من ذلك، تتّفق غالبية القوى والأحزاب والتيارات اللبنانية، بل وقطاعات واسعة من الرأي العام، على ضرورة وضع حدّ لظاهرة السلاح الخارج عن الدولة، وفي مقدّمته سلاح حزب الله.
زيارة المبعوث الأمريكي “توماس براك” إلى بيروت ليست زيارة دبلوماسية روتينية، بل هي محمّلة برسالة حازمة:
ـ سلاح حزب الله أصبح مطلباً دولياً غير قابل للنقاش أو التأجيل.
الولايات المتحدة ليست وحدها في هذا الموقف، بل خلفها موقف عربي ودولي متقاطع، يدرك أنّ بقاء السلاح خارج سلطة الدولة اللبنانية يشكّل تهديداً للأمن الإقليمي، وعائقاً أمام استقرار لبنان واقتصاده ومستقبله.
حزب الله يواصل سياسة المراوغة، ويكرّر خطاب المقاومة، إلا أنّ الواقع تغيّر، والظروف الإقليمية والدولية لم تعد تسمح بإضاعة الوقت أو الالتفاف على الاستحقاقات.
ـ أين تتّجه الأمور؟
المشهد مفتوح على عدّة احتمالات، أبرزها:
تسوية تقضي بتسليم الحزب سلاحه، مقابل ضمانات سياسية للطائفة الشيعية، وحفظ موقعها في معادلة الحكم، وهذا خيار يتطلّب إرادة داخلية واضحة وشجاعة في اتخاذ القرار.
قد يلجأ الحزب إلى افتعال أحداث أمنية لإرباك الداخل والضغط على خصومه، إلا أنّ أي محاولة من هذا النوع قد تُسرّع في فرض الحلول بالقوّة، وتُفاقم عزلة الحزب داخلياً وخارجياً.
في حال استمرار المراوغة، سيزداد الزخم الدولي للتدخّل المباشر، سواء عبر توسيع صلاحيات القوات الدولية (اليونيفيل)، أو عبر قرارات أممية إضافية تفرض واقعاً جديداً على الأرض.
ليس خافياً أنّ جزءاً كبيراً من أبناء الطائفة الشيعية في لبنان بات يشعر أنّ استمرار تمسّك الحزب بالسلاح يهدّد الطائفة قبل سواها، ويعرضها لعزلة سياسية واقتصادية خانقة.
بالنتيجة:
الخيار اليوم بيد حزب الله: إما الانخراط في مشروع الدولة والتخلّي عن سلاحه لمصلحة جميع اللبنانيين، أو التمسّك بالعناد والمراوغة، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الحزب وبيئته أولاً، وعلى لبنان بأسره ثانياً.
اللبنانيون تعبوا من الرهانات الخاسرة، ومن دفع ثمن صراعات لا تعنيهم، والوقت لم يعد في صالح أحد.
المعادلة اليوم واضحة:
إما لبنان الدولة، أو لبنان الميليشيا… ولا خيار ثالث.