يقتطف “د. عارف دليلة”، كلامًا للمحامية اللبنانية “بشرى الخليل”، وهو الشخصية السورية المعارضة التي ذاقت من النظام ما ذاقت من ويلات وإبعاد، أما عن بشرى الخيليل فهي المحامية اللبنانية الأقرب إلى الحلف الثنائي الشيعي، غير أن الوقائع تحكي بالاستقلال عن مسار كلا الشخصين، وموقفهما، فالوقائع هي الوقائع.
الموضوع هو:”التهريب بين سورية ولبنان” ، وعارف دليلة يسميه ” التهريب الرسمي جدًا المعترف به والمحتضن من اعلى المستويات في البلدين “، باعتبارهما (والكلام لعارف دليلة) ” عايشين سوا !” ، طبعا بالضراء دون السراء !
يقتطف دليلة وقائع قليلة من حديث المحامية بشرى الخليل، تقول:
ـ التهريب من سورية الى لبنان اكبر بكثير من التهريب من لبنان الى سورية، لدي ملف يؤكد، حسب كلام الصراف اللبناني (ميشال مكتف) وهو اكبر شاحن وصراف في لبنان، انه قبل الحرب (٢٠١١) بسنة استلم من صراف سوري مابين ٨ و١٠ طن من السبائك الذهبية، وزن السبيكة الواحدة ٥،٧ ٦،٢ كغ و٣٠٠ ٥٠٠ مليون دولار، كان المهربون السوريون يدخلونها الى لبنان والصراف (مكتف) يستلمها منهم. وخلال فترة الحرب تزايدت هذه الكميات من الذهب والدولارات كثيرا .
وبالحساب التقريبي، ساقوم بترجمة هذا الكميات من المهربات من سورية الى لبنان بارقام اخرى:
اذا كان الكيلو من الذهب يساوي اكثر من ٣٢ اونسة بقليل ( الاونسة =٣١،١ غ ذهب ) ، واذا علمنا ان سعر اونسة الذهب الان يتراوح حول ١٨٠٠ دولار اميريكي، فتكون قيمة كيلو الذهب بالدولار : ٣٢×١٨٠٠= ٥٧،٦٠٠ سبعا وخمسين الف وستمائة دولار، وتعادل بالليرات السورية حسب سعر الصرف الجاري في السوق الان ، وهو حوالي ٣٢٠٠ ليرة للدولار :
٥٧٦٠٠ ×٣٢٠٠= ١٨٤،٣٢٠ مليون ل.س ، اي اكثر من مئة واربعة وثمانين مليون ليرة سورية للكيلو غرام الواحد من الذهب.
وتكون قيمة الـ ١٠ طن من الذهب التي اشتراها صراف لبناني واحد فقط من صراف سوري واحد مما يدخله المهربون السوريون من ثروة الشعب السوري المخزونة بالذهب على مدى السنين والعقود والقرون والعصور الممتدة ، ومن اثمان انتاج الشعب السوري المكافح المجوع الذي اصبح خلال العشرية الاخيرة مابين مقتول ومعذب ومعتقل ومهجر او غارق في لجج البحار او في بطون الوحوش البحرية والبرية أونازح او متعفن تحت انقاض البيوت والمستشفيات التي دمرت فوق راسه ، كبيرا او صغيرا ، امراة او رجلا ، وبالاشتراك بين جميع الهمج من حملة السلاح ” الاخوة_ فيما بينهم ، الاعداء _ لسورية ، دولة وشعبا وانسانا وقيما حضارية وتاريخا وحاضرا ومستقبلا “.
إن قيمة الذهب فقط المهرب من سورية الى لبنان فقط خلال عام واحد فقط ، سابق للحرب، هي: ١٨٤،٣٢٠.مليون × ١٠،٠٠٠ كيلو ذهب = ١٨٤٣ الف وثمانمائة وثلاث واربعين مليار ليرة سورية، وبالدولار الاميريكي : نقسم هذا الرقم على ٣٢٠٠ ليرة للدولار ، فيكون المبلغ ٥،٦٣٥ خمسة مليارات وستمائة وخمسة وثلاثين مليون دولار اميركي !!! وهذا ما اشتراه صراف لبناني واحد فقط، في عام واحد فقط، من المهربين السوريين الذين يعملون عند صراف سوري مهرب واحد !
اذن، بالاسماء وبالارقام المجردة على الهواء مباشرة وبكلام دقيق للصراف اللبناني مكتف، وهو ليس متهما قانونيا بشيء (!)، وبكلمات موثوقة منقولة عنه، من قبل شخص غير معاد لا للنظام اللبناني الحالي ولا للنظام السوري الحالي، بل موال لهما، هي المحامية البارزة بشرى الخليل، والتي لا مصلحة لها بنشر ارقام مضخمة متحاملة على اي من النظامين، بل هي تستقوي بهذه الارقام للرد على خصوم النظامين الذين يرفعون اصواتهم بالشكوى من التهريب الواسع من لبنان الى سورية ! وبفعل قانون الاواني المستطرقة، والقوانين الاقتصادية، مثل قانون العرض والطلب وقانون الربح، وبالحسابات الباردة المجردة، نقول:
ان قيمة ما اشتراه صراف بيروتي واحد من الذهب السوري المهرب (في العام السابق للحرب _ في ٢٠١٠ ، فقط !) تزيد عن خمسة ونصف مليار دولار اميريكي !
دليلة يطلب من قرائه ملاحظة:
_ انني لم اتحدث، بعد، عن الثروات المهربة من سورية عبر جميع المعابر الحدودية الى الدول المجاورة والى العالم !
_ انني لم اتحدث، بعد، عن القيم المهربة عبر القنوات الرسمية على شكل صادرات رسمية مما يتشهى الشعب السوري المحروم اليوم ان يتذوقها او يشم رائحتها او يكحل عينيه بمنظرها على مائدته وفي براداته التي اصبحت كلها خارج العمل، هذه الصادرات التي تغتصب، اقتصاديا، من بين يديه وتصدر من ارضه ومن نتاج كدحه، وهو الشعب الذي عاش سنين طويلة كانت فيها حتى موائد فقرائه عامرة باطايب بلده ونتاج عمله.
هذا ولم نأت، بعد، على ذكر التهريبات النقدية الى المصارف اللبنانية بعشرات مليارات الدولارات (٥٠٠300 مليون دولار عام ٢٠١٠ فقط لصراف واحد، حصب كلام الصراف اللبناني “مكتف” ) والتي تتبخر هذه الايام من المصارف اللبنانية (مع مئات مليارات دولارات الشعب اللبناني)، والمعترف بها رسميا بانه تتراوح مابين ٣٠٤٠ مليار دولار، مسروقة من الدولة والشعب السوري، لتحميلها المسؤولية عن افلاس الدولة ومجاعة السوريين وانمحاقهم، واخراج بلدهم، دولة وشعبا، من التاريخ والجغرافيا، عن سابق وعي وتصميم !
_ ولم اتحدث، ايضا، عن ما اشتراه جميع المهربين والصرافين، ليس اللبنانيون فقط، بل والسوريون وغيرهم، من مكنوزات الشعب السوري.
_ ولم اتحدث عن قيمة الثروات الآثارية من مكتنزات الحضارات التي قامت على الارض السورية وصنعتها عقول وانامل الشعوب السورية ألمتلاقحة، والتي كانت محمية تحت اطباق الارض الحنون وبقيت آلاف السنين متخفية عن اعين وحوش وجراد الارض البشريين الهمج الحاليين، المحليين والخارجيين، وهي اليوم تتنقل بين الايادي السوداء في مختلف اصقاع العالم وتباع باثمان باهظة، ليس فقط خلال النكبة العظمى في العشرية الجارية والتي يراد لها ان تستمر الى الابد.
_ وبكلمة، ان قيمة الذهب فقط، الذي اشتراه صراف بيروتي واحد، فقط، في عام واحد فقط ، تعادل مجموع الدخل القومي التصرفي السنوي لاكثر من ثلث الشعب السوري، في سورية باربعة اطرافها (ويقدره البعض ب ١٥ مليار دولار ، مقابل ٦٥ مليار دولار عام ٢٠١٠ ) . اما بخصوص هذا الانخفاض الهائل للدخل القومي السوري، فيكفي ان نذكر، مثلا، الانخفاض الذي حصل في اكبر محصول استراتيجي فس سورية وهو القطن، الذي كان صديقنا الراحل، مبكرا، بوعلي ياسين ( ياسين حسن ) قد اصدر في مطلع السبعينات كتابا عنه بعنوان ( القطن وظاهرة الانتاج الاحادي في سورية ) المحصول الذي كان يعتبر قاطرة التنمية في سورية، وقد بلغ اتتاجه ١،٠٨ مليون طن، قبل الحرب على هبة الشعب السوري الاصلاحية الوطنية الديمقراطية عام ٢٠١١ ، نزل الان الى ١٥٠٠٠ طن ، وتحولت سورية من واحد من اكبر مصدري الذهب الابيض في العالم الى واحد من اكبر مصدري الذهب الاصفر في العالم، الى جانب تحولها الى مستورد متواضع للقطن والخيوط القطنية من اجل تلبية حاجة اهم القطاعات الصناعية السورية الى المادة الاولية، ونسيت سورية التخطيط لتصنيع كامل انتاجها من القطن لتصديره انسجة وخيوطا ذات قيمة مضافة عالية وتمتص الفائض من قوة العمل المتزايدة.
اذن ، عندما يعيش اليوم اكثر من ٩٠% من الشعب السوري تحت خط الفقر المدقع بعد هدر وتدمير موروثاتهم وثرواتهم الشخصية وثروات موسساتهم ودولتهم، وبعد نهب واغتصاب حقوقهم، وعندما يصبح متوسط الرواتب والاجور ومداخيل ذوي الدخل المحدود الحقيقية لايزيد عن تكاليف ضرورات البقاء على الحياة ليومين او لاربعة ايام للعائلة في الشهر فقط، وعندما “يكتشف” احدهم “قبل يومين” طفلتين وهن على حافة الموت جوعا، مع رسالة مبكية من ابيهما يقول فيها انه يعجز عن ابقائهن على قيد الحياة بسبب عجزه عن اطعامهن، ويرجو ان يستطيع احد غيره فعل ذلك وانقاذهن من الموت (وهناك على ارض سورية الان مئات الآلاف ممن يشاركهن نفس المصير، وهم واهاليهم، ينتظرون ملاك الموت بصبر ايوب) مرميتين عند مدخل احد المستشفيات، في اقدم مدينة حضارية في التاريخ، كانت تلقب بـ” جنة الله على الارض “، ولم يدخلها النبي، قبل اربعة عشر قرنا، بقافلته التجارية خوفا من غرق قدمه في نعيمها وعدم العودة الى مهبط الوحي في مكة، وهو ما حصل، بعد وفاته، لمغتصب خلافته، مؤسس الملك العضود، بعد اربعين عاما، وسميت الارض التي وضع اخر قدم عند طرفها قبل ان يعود ادراجه عنها ب”القدم”، وهي حاليا حي ضخم من احياء دمشق الشعبية، لكنه منكوب، مثل غيره، حتى العظم، هذه الايام ، عند ذلك كله، كيف يمكن لسوري يحمل ذرة عقل وضمير ان يتعامل مع “النكبة السورية العظمى” بالارقام الجافة وبدم بارد ؟؟؟
والشيء بالشيء يذكر!
يختم دليلة كلامه “ان ماذكرته المحامية بشرى الخليل يعيدني الى ندوة عقدناها، في اواخر الثمانينات في اطار ندوة الثلاثاء الاقتصادي السنوية في المركز الثقافي بدمشق، قلت فيها مايلي:
تكثر الاحاديث هذه الايام عن سرقة النفط السوري وعن تهريبه الى الدول المجاورة، وتنشر الجرائد السورية لمسؤول نفطي بأن هناك مبالغات مفتعلة في الارقام المتداولة عن تهريب النفط السوري، اذ لا تزيد الكميات المهربة سنويا عن اربعة ملايين ليتر”.
ان خسائر الفساد والاستبداد المادية والانسانية والمعنوية اكبر من ان تحصى، وهذا ما ارد به على من يسالني عن خسائر سورية وعن تكاليف اعمارها!
ما اكبر “حظوظ” اعداء امتنا، وهم يخططون مصيرنا باستخدام موادنا المجلية الاولية، وما اهنأهم بمن يتنطعون لقيادة الامة العربية نحو الانقراض ، مقدمين الراية لهم، قائلين، دون خجل او وجل:
“المهمة قد انجزت ، سيدي”.