لبنان وقد أخذ إلى المجهول

زاوية مينا

هذه هي النتيجة، ومن قبل دخلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان، ومن بعد استئثارها بالسلاح أطلقت على لبنان “فتح لاند” ما استجر إسرائيل إلى احتلال بيروت ومن ثم إخراج منظمة التحرير بفصائلها وقياداتها إلى السفينة التي نقلتهم إلى تونس، وهكذا كرر حزب الله الحكاية ليستجر البلد إلى حرب ستتجاوز معنى الحرب ما بين قوّة سلاح مقابل قوّة سلاح، نحو حرب “ترانسفير” هائلة أودت حتى اليوم بنزوح كامل لأهالي الجنوب اللبناني نحو أرصفة بيروت ودور اللجوء، ومن بعدها لا أحد بوسعه الرهان على إعادة إعمار الجنوب، كما ليس بوسع عاقل أن ينفي احتمالات تهجير الجنوبيين خارج لبنان كل لبنان، ليكون “العراق” هو الوطن البديل ما بعد الدمار، وما بعد الحماقة التي قادت لبنان إلى حرب، لا ينقذ فيها ناقة “حماس” ولا يدع “جمل” لبنان على قيد الحياة.

واليوم ها هي النتائج، والنتائج المرئية ليست بعيدة عن المقدمات، ومن المقدّمات التي لم يُحسن حزب الله كما محوره قراءتها، أن لبنان هو البلد “المقاوم”، سوى أنه “المقاوم” لا بالديناميت، بل بالمشفى والجامعة والمطبعة ومنتجات الشعر والموسيقى والمدنية التي لم تتقبل “القبضة المضمومة” للعقائد المغلقة التي أحلت ثقافة “الندب” بديلاً عن ثقافة الحياة، وسط عناد لم ينقطع، وغرور تجاوز الممكن والمعقول والمحتمل، إلى ما لايُعقّل ولا يُحتمل، وقد توقف في ثقافته وفكرة وعقيدته وسلاحه إلى نهايات القرن العشرين، فيما امتدت إسرائيل بالمستقبل حتى اوشكت أن تكون واحدة من البلدان الأكثر انتاجاً للتكنولوجيا، واكثر مقدرة على بسط قوّتها، حتى تحوّلت من سلاح المدفعية إلى ما يُحدثه “البيجر” من مجزرة أطاحت بآلاف الشباب من حامليه، ومن بعده إلى غرفة العمليات التي تلتقط بصمة الصوت وبصمة العين وبصمات الأنفاس وفي النتيجة اصطياد قيادات حزب الله واحداً تلو الآخر وصولاً لرأس الأمين العام، وكل ما حدث وما سيحدث ليس سوى سطوة الحماقة على العقل، وسوء الحساب على حسابات القوّة، وفوق هذا وذاك تلك التعديات الهائلة من حزب “الولي الفقيه” على مواطنيه اللبنانيين لحظة انتزع قرار الحرب والسلم ليستفرد به، ويوم أحلّ سلطة الحزب على سلطة الدولة وسلطة الأمين العام على الحزب، فكانت لا هزيمة الحزب فحسب، بل إدخال لبنان في معمعة احتمالات لا تقود سوى إلى الدمار، دون نسيان أن الدمار لابد سيلحق بيئة حزب الله قبل أن يطال الدمار ما تبقّى من اللبنانيين، ومع الدمار خطاب الإنكار، وسياسة الإنكار، وها هو وفي لحظة القاع، ما يزال يُمارس الإنكار حتى يحوّل الهزيمة الساحقة على الأرض إلى خطاب بالغ الفصاحة على حناجر من تبقّى من قيادييه الباقون على قيد الحياة.

هي الويلات التي تجر الويلات.. وثمة غد لابد وسيكون:

ـ في عداد المجهول.

Exit mobile version