لبنان.. يادارا دوري فينا

نبيل الملحم

يمقتون الأحزاب، ويهاجمون الطوائف، ويحيلون عذاباتهم وماوصلوا إليه من بؤس وعوز وموت أسباب الحياة، إلى زعامات استثمرت بناسها كما لو أصحاب زرائب وقطعان، وحين تأتي الانتخابات النيابية التي تقول “هذه إرادتنا”، يعودون إلى أصحاب الزرائب، ليعودوا قطعانًا.

كلام فيه الكثير من القسوة، غير أن الوقائع لابد وأشد قسوة من الكلام، فاللبنانيون، وقد انتقلوا من الاحتراب الأهلي، إلى الدولة الرهينة، ومن الدولة الرهينة إلى دولة زعامات الحرب، ومن دولة زعامات الحرب إلى دولة سلاح الميليشيا، ومن دولة سلاح الميليشيا إلى “اللادولة” بكل ما تعنيه كلمة “اللادولة”، يذهبون اليوم إلى الانتخابات البرلمانية، وكل المؤشرات تقول بأنهم سيعيدون أسباب الانهيار إلى واجهة انهيار جديد، حتى بلغت كل التوقعات إلى التأكيد على أن حزب الله وحركة امل سيجتاحون الصناديق و “بإرادة الناس”، فيما الأحزاب الأخرى، الشريكة في مغانم الحرب والنهب ستحصد ماتبقى، أما أصوات ناس “17 اكتوبر”، فلابد مشتة وموزعة، ولن تبلغ حتى درج البرلمان اللبناني، لتبقى مجرد أصداء لأصوات طالبت بالخبز والكرامة وبترحيل قوى الامس الناهبة، وبالنتيجة العودة إلى انتاج أسباب المزيد من الانهيار.

نبيه بري سيبقى حامل عصا الأوركسترا، يدوّر الزويا ويشتغل للكل وعلى حساب الكل، بما يجعل أية غيمة تمطر في مصالحه وأرضه.. مصالحه وأرضه الموزعة على كازيات وحسابات بنكية في الداخل والمغتربات، وحسن نصر الله سيعود إلى رفع سبابته بوجه اللبنانيين مبشرًا بحرب مفتوحة إن لم تكن في إشعال الجنوب ففي استعادة لـ 7 أيار، حروب لن يربح فيها اللبنانيون سوى خراب بيوتهم، أما قوى الاستقلال من نمرة سمير جعجع وسامي الجميل، فلا يترددون بربط مصيرهم ومصير طوائفهم بمال الخارج، ورضى الخارج، ودعم الخارج، وإسناد الخارج، والخارج سفارة وسفيرة وسفير، ليس بينهم من يتقن االلهجة اللبنانية ولا هموم اللبنانيين، وحين يكون الكلام عن ميشال عون وصهره، فاستراتجية “الخربطة” مازالت وسيلة انتاجهما وهما ينتقلان من كتف إلى كتف، للفوز بمقعد مرهون لمقعد.

يبقى سنّة لبنان ودروز لبنان، أما عن الدروز، فبنصف ذراع ونصف قرار ونصف حليف ونصف خصم، هذا على مستوى العلاقة مع اللنبانيين وقواهم الحزبية، وحين يأتي الكلام عن الداخل الدرزي فلابد أن يتوافقوا على التوافق تدراكًا من تفكيك الطائفة، والطائفة لاتحتمل التقسيم مابين “المختارة” و “الجاهلية”، ومن اجل وحدتهم، يتوافقون على كل ما اختلفوا عليه، لتبقى جراح الخصومات مختبئة تحت ضمادات التصالح، والأحزان كل الأحزان “يلبسها” سنة لبنان، فالحريري تخلّى، او خُلي، وفؤاد مخزومي مشكوك بخطابه وماله وتاريخه، وحين يكون الكلام عن نجيب ميقاتي فلا إله للمال، ولا رسول للمال، ولاقدسية للمال، فإله المال هو المال، ورسول المال هو الربح، وقدسية المال في تقديس المال، فيما الله مادة ثانوية حين يتعلق الأمر بالمال.

الأمس سيعود بكل تعبيراته وقواه ومخازيه وبشاعته، وسيعود باستثناء سنة لبنان الغائبين أو المغيبين حيث لابرلمان، ولاقوى جديدة تمتد من الأمس إلى الغد، ولا مشروع سوى مشروع تقسيم الطائفة وصولاً لانتحارها.. تقسيمها مابين مخزومي، وأشرف ريفي، وشتات تيار المستقبل الذي لم يعد الماضي يجمعه ولا الحاضر يعطف عليه.

ـ إنها صناديق الاقتراع.

ومن قال أن مايحدث للبنان لم يحدث لسواه، و “توابيت” الاقتراع قد اتخذت أسم “صناديق الاقتراع”؟

حدث هذا قبل يومين في الفلبين، فقد فازابن دكتاتور الفلبين  فرديناند ماركوس، مكتسحًا صناديق الاقتراع ، وهو ابن الدكتاتور الذي سرق كل الفلبين نهارًا، ودفن في مقبرة العظماء ليلاً بجنازة مُتَكَتم عليها، تاركًا زوجته إيميلا ماركوس لمجوهراتها، وأحذيتها، حتى قيل بأن ملابسها الداخلية كانت تكفي لتغطية أقفية كل نساء الفلبين، أما عن قيمة  أحذيتها فبلاشك تستدعي قرضًا “حسنًا” من قروض “صندوق النقد الدولي” ومديرته كريستاليا جورجييفا صاحبة الخصر المثير.

وكل اقتراع واللبنانيين بلا أي خير.

لصوص الأمس سيعودون لاعتلاء المنصات، وجمهور الشارع سـ “ينضبّ” إلى البيوت، و :

ـ يادارا دوري فينا.

Exit mobile version