الحريري يريدها حكومة “تحكم”، وعون وصهره يريدها حكومة “نواطير”، أما حزب الله فهو يجلس على التلّة ويتفرج على “كباش” القوتين، ليظهر حسن نصر الله في خطاب كما لو كان “الحكم” و “الحكمة”، والام الراعية لكليهما.
«كِباش أعراف» هي التسمية التي يطيب لبعض السياسيين اللبنانيين إطلاقه على الستاتيكو اللبناني الراهن، وهو الستاتيكو الذي يجعل البلد برغي يدور في مكانه على على حلبة التأليف الحكومي ، فالحريري يريد تكريس واقع جديد في عملية التأليف يقاوم فيه الأعراف التي يرى انّ رئيس الجمهورية يعمل على إحداثها، ويستند الى الدستور من دون اللجوء الى تدوير زوايا ولا الى تسويات ومساومات ومقايضات. وفي المقابل، فإن عون يعمل على تقوية موقع رئاسة الجمهورية ودورها في التأليف وكذلك في القرار الحكومي، وهو لأجل هذا يقاوم واقع الحريري الجديد، وفي واقع الحال فإن عون يعمل على طرد “العجّانة” عن طبق العجين لأنها حين تعجن “تهزّ قفاها”.
بالنسبة لعون، انتهى عهده القوي بكل ما يضعف البلد، غير أنه يشتغل على فتح الطريق لصهره ليكون ساكن القصر الجديد في العهد القادم، الذي لن يأتي إذا ما بقي حال لبنان على ماهو عليه، فلا قصر في “لا بلد”.
بالنسبة للحريري فلن يكون “السبيّح” مكبّل اليدين، والمطلوب منته انتشال الغرقى، وما تبقى من الرهان هو الرهان على التدخل الدولي، وأي تدخل دولي إذا ماكان حزب الله يمسك بالبلد من تلابيبه؟
خطاب حسن نصر الله، بالغ الصلافة، بعث بكل الرسائل:
ـ لارقص خارج حلبة حزب الله.
ومع رسالته هذه رسائل في الحرب، والوطنية.
الحرب بالنسبة لحزب الله ممكنة في كل لحظة، هذا مايؤكده حسن الله، أما الوطنية اللبنانية فهي “الوطنية الإيرانية” وسواها “خيانة وطنية”.
مع تعقيدات هذه الحالة، ثمة لبنانيون يقولون: «اذا لم يمارس الخارج ضغطاً كبيراً وحاسماً فلن يخرج الاستحقاق الحكومي من عنق الزجاجة». ويرافق هذا الكلام تخوّفات من ان يكون الجانب الفرنسي في طور التوجّه الى الحراك بنَفَس إيراني، وهو نَفَسٌ طويل سيرتبط حتماً بالملف الأمّ (الملف النووي الايراني ـ الاميركي)، ولبنان لن يكون فيه إلّا بنداً من جزيئيّاته.
مع ذلك ثمة من يتساءل:
ـ هل انّ الحكومة، إذا تشَكّلت في نهاية المطاف، ستتمكن من ان تحكم وتمارس وتُنجِز في ظل أزمة الثقة غير المحدودة القائمة بين عون والحريري؟
الإجابة: «من المستبعد تماماً ان تنجح في تحقيق ما هو مطلوب منها فرنسيّاً ودوليّاً، لأنّ النزاع الدائِر اليوم سينتقل على الأرجح إلى داخلها، فيما هناك من يتوقّع استمرار الوضع الحالي بين حكومة مستقيلة ورئيس مكلف حتى نهاية العهد، ولكن هل تحتمل البلاد استمرار الفراغ مع استِفحال الأزمة المالية يوماً بعد يوم؟
بالتأكيد كلا، ولكن ما لا إجابة عنه بعد يَكمُن في ماهية الحل، والمخرج، والتسوية.
في مطلق الحالات يجب على اللبنانيين التكَيُّف مع الفراغ حتى إشعار آخر، والانشغال بكورونا واللقاحات، ومراقبة الأوضاع الخارجية لعلها تفتح باب الحلول، خصوصاً انّ الخارج لا يريد ان ينفجر الوضع في لبنان. وفيما الخشية من انفجار اجتماعي تكبر، فإنه لا بد للخارج من ان يتدخل في اللحظة المناسبة تداركاً لهذا الانفجار، لأنه لا يبدو انّ المعنيين بالتأليف في وارد وضع الماء في نبيذهم لتَجنيب اللبنانيين المزيد من الانزلاق نحو الأسوأ.
في هذه المعضلة من المُستغرَب في كل هذا المشهد هو انّ معظم المؤشرات تدلّ الى انّ الأزمة الحكومية محلية بامتياز، فهل يُعقل هذا العجز عن التوصّل إلى تسوية على الطريقة اللبنانية القديمة 6 و6 مكرر، فيتنازل كل فريق بالمقدار الذي يتم فيه تجنيب لبنان الأسوأ؟.
لبناني يقول لنا:”لم يعد من خلاص للبنان سوى تدخلاً من الله”، ثم يستدرك:
ـ الله دون حزب.
ويفسّر كلامه بالقول:
ـ مادام حزب الله فلا حلّ، ولننتظر مزيدًا من الاغتيالات.