مرصد مينا – هيئة التحرير
يدخل لبنان العام 2022 مثقلا بالأزمات السياسية الاقتصاديّة المعيشيّة، الّتي لم تعرف طريقها إلى الحل منذ العام 2019.
فالأزمة الاقتصاديّة أدّت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحليّة مقابل الدّولار الأمريكي، فضلًا عن شحّ في المحروقات والأدوية، وانهيار القدرة الشّرائيّة مقابل الارتفاع الجنوني لأسعار السّلع كافّة، كل ذلك بالتزامن مع ازمات ذات طابع سياسي داخلي ومارجي ففي شباط من العام المنصرم عَيّن مجلس القضاء الأعلى، القاضي طارق بيطار محقّقًا عدليًّا في جريمة مرفأ بيروت، خلفًا للقاضي فادي صوان، وفي تموز طَلب بيطار رفع الحصانة عن الوزراء السّابقين والنوّاب الحاليّين نهاد المشنوق، غازي زعيتر، وعلي حسن خليل لاستجوابهم إضافةً إلى طلب استجواب الوزير السّابق يوسف فنيانوس، وكذلك رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك (عام 2020) حسّان دياب، وعدد من المسؤولين الأمنيّين.
بعد طلب بيطار، تقدّم وكلاء عدد من السّياسيّين المذكورين أعلاه، بطلبات ردّ المحقّق العدلي عن القضيّة، إلّا أنّها رُفضت كلّها من المحاكم اللّبنانيّة لغاية اليوم.
بداية تفاعلات أزمة البيطار ترافقت مع اعتذار رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، في 15 تموز بسبب خلافات مع رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة ميشال عون على توزيع الحقائب الوزاريّة، بعد 266 يومًا على تسميته لتشكيلها، ليتم بعدها تكليف النّائب نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة.
الأزمات أخذت تتفاعل أكثر فأكثر مع قدوم ميقاتي لاسيما بعد تأجيل جلسة حكومته إثر رفض الوزراء المحسوبين على حركة “أمل” وجماعة “حزب الله” حضورها، قبل اتّخاذ المجلس قرارًا بعزل القاضي بيطار من منصبه، بعد اتّهامه بـ “التّسييس” في تحقيقاته واستدعاءاته وطريقة تعاطيه مع ملف مرفأ بيروت، لينفجر المشهد منتصف اكتوبر باندلاع مواجهات مسلّحة في منطقة الطّيونة المحاذية لمنطقتَي الشيّاح (ذات أغلبيّة شيعيّة) وعين الرّمانة ـ بدارو (ذات أغلبيّة مسيحيّة) في بيروت، خلال تظاهرة نظّمها مؤيّدون لجماعة “حزب الله” وحركة “أمل” (شيعيّتان)، للتّنديد بقرارات المحقّق العدلي، وقد أسفرت عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 32 آخرين.
ماكان بمثابة أزمة داخلية تحول إلى أزمة بين لبنان ودول خليجية إثر سحب المملكة العربيّة السّعوديّة سفيرها في بيروت وطلبت من السّفير اللّبناني لديها مغادرة أراضيها، وتبعتها بإجراءات مماثلة كلّ من الإمارات والبحرين والكويت واليمن، على خلفيّة تصريحات لوزير الإعلام اللّبناني آنذاك جورج قرداحي، حول الحرب في اليمن. وفي وقت لاحق أعلن قرداحي استقالته.
الباحث السياسي جوني أبي صعب يرى أنّ “السّعوديّة عادت إلى لعب دور المواجهة مع إيران وبالتالي فإن عودة العلاقات اللّبنانيّة – الخليجيّة ممكنة، لكن على مستوى منخفض، إلّا أنّ الجبهة ستبقى مشتعلة سياسيًّا ودبلوماسيًّا بين الخليج وإيران وبطبيعة الحال حزب الله المسيطر على لبنان بقوة السلاح.
في الخلاصة، يمكن القول إنّ أزمات العام 2021 المعيشية والسياسية، ستُكمل مسيرها خلال العام الجديد، وقد تُضاف إليها أزمات جديدة، في حال لم تسلك المعالجات طريقها نحو التّطبيق، فيما تتسمّر عيون اللبنانيين والعالم على نتائج الانتخابات النّيابيّة؛ لمعرفة موازين القوى الجديدة في البلد.
كلّ ذلك تزامن مع تواصل الاحتجاجات الشّعبيّة، بوتيرة متفرّقة في مناطق لبنانيّة مختلفة، تنديدًا بالأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة في البلاد، ومع وصول سعر صرف اللّيرة اللّبنانيّة مقابل الدّولار الواحد إلى أكثر من 28 ألف ليرة، للمرّة الأولى في تاريخ البلاد.
ملفات آذار
المحلّل السّياسي ماهر الخطيب يرى أن “العام الحالي ينتهي مع مجموعة واسعة من الأزمات المترابطة في ما بينها، إذ إنّ معالجة أيّ منها من المفترض أن تنعكس على باقي الأزمات، بينما استمرارها يعني بقاءها على حالها طويلًا”، مشيرا إلى
أنّ “شهر مارس/ آذار المقبل يحمل ملفَّين أساسيّين، هما ملف التّحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وملف ترسيم الحدود البحريّة اللّبنانيّة مع الجانب الإسرائيلي”.
ففي الملف الأول من المفترض أن يصدر خلال 3 أشهر، أي خلال شهر مارس/ آذار 2022. كما نُقل عن الوسيط الأميركي في الملفّ الثّاني عاموس هوكستين، أنّه حدّد مهلةً لإنجاز مهمّته، تنتهي في شهر مارس المقبل أيضًا، فيما يؤكد الخطيب أنه “لن يُسمح للقاضي بيطار أن يُصدر القرار الظنّي بالجريمة”.
الاستحقاق الأهم خلال العام 2022 سيكون إجراء الانتخابات النيابيّة العامّة، المحدَّد موعدها في 27 مارس/ آذار عوضًا عن 8 مايو/ أيّار من العام ذاته، وفي ظلّ وجود مخاوف من تأجيلها، ووفق ما سبق فإن الأشهر الثّلاثة الأولى من العام المقبل حسّاسة جدًّا، إذ أنّ الحملات الانتخابيّة ستكون على أشدّها، ما دام الجميع يعتبر أنّ هذا الاستحقاق مصيري”.
ويتابع أنّ “هذه الأشهر ستكون مترافقة مع المفاوضات القائمة حول أكثر من ملفّ إقليمي، خصوصًا النّووي الإيراني، والوضع اللّبناني مرتبط إلى حدّ بعيد بما يجري على مستوى الإقليم، بدليل الأزمة الّتي كانت انفجرت مؤخّرًا مع بعض الدّول الخليجيّة”، مشيرا إلى أنه “خلال هذه الفترة، ستكون كلّ الاحتمالات مفتوحة، لا سيّما بالنّسبة إلى الاستحقاق الانتخابي، لأنّ أيّ فريق متضرّر من إجرائه قد يذهب إلى حدّ تفجير الأوضاع، بشكل يحول دون حصول الانتخابات”.
يشار أن ولاية الرّئيس الحالي ميشال عون تنتهي في 31 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2022. وفي هذا السياق يرى أبي صعب أن لبنان سيكون في العام 2022، أمام فراغ رئاسي، ومن حوله اشتباك يتعلّق بإعادة ترتيب هرميّة السّلطة في لبنان. مشيرا إلى أنه في العام 2016، انتخب البرلمان عون رئيسًا، لينهي فراغًا رئاسيًّا استمرّ 29 شهرًا.