لبنان يودّع زياد الرحباني.. فيروز تُطل بصمت في وداع ابنها “صور”

مرصد مينا

ودّع لبنان، اليوم الإثنين، الفنان المسرحي والموسيقي الكبير زياد الرحباني، الذي توفي قبل يومين عن عمر ناهز 69 عاماً، في جنازة وطنية وفنية حاشدة شهدت مشاركة واسعة من محبيه، وتجلّى فيها الوجدان اللبناني بمزيج من الحزن والحنين والإرث الفني.

صباح اليوم، تجمّع المئات من محبّي الرحباني أمام مستشفى “بي إم جي” في بيروت، لمواكبة نقل جثمانه إلى بلدته المحيدثة – بكفيا في جبل لبنان، حيث أقيمت مراسم التشييع ودفنه.

وقد حضر المشاركون حاملين الورود وصوراً للفنان الراحل، وعلت أجواء المكان ألحانه التي انبعثت من السيارات والمسجلات، فيما رُفعت لافتات في الطريق تحمل صوره وعبارات مقتبسة من أعماله، من بينها “بلا ولا شي… بحبك”.

في مشهد إنساني مؤثر، ظهرت الفنانة الكبيرة فيروز (91عاماً) لأول مرة منذ سنوات، لتشارك في وداع نجلها زياد، حيث وصلت إلى كنيسة رقاد السيدة في المحيدثة متشحة بالسواد، واضعة نظارات داكنة، وبرفقتها ابنتها ريما الرحباني وشقيقتها الفنانة هدى حداد، وعدد كبير من أفراد العائلة.

الفنانة فيروز تتلقى التعازي خلال تشييع نجلها زياد الرحباني، فرانس برس

رافقت ترتيلة “أنا الأم الحزينة” بصوت فيروز نفسها لحظة دخولها إلى الكنيسة، وهي الترتيلة التي تبثّها الكنائس اللبنانية عادةً في مناسبة الجمعة العظيمة.

وجلست فيروز أمام النعش للحظات صامتة من التأمل والصلاة، ثم طلب من الحاضرين إخلاء الكنيسة لإتاحة المجال للسيدة فيروز أن تُصلي وحيدة أمام جثمان ابنها.

فيما بعد، انتقلت إلى قاعة الاستقبال لتلقي التعازي، حيث بدت متماسكة، تكتف يديها وتشكر المعزين بصمت.

فيرزو لدى وصولها لحضور مراسم تشييع نجلها في بلدة بكفيا بجبل لبنان (أ.ب)

قبل وصول الجثمان إلى الكنيسة، مر الموكب في محطة رمزية في شارع الأخوين رحباني في أنطلياس، البلدة الساحلية التي أقام فيها الراحل سنوات طويلة، وأنشأ فيها الاستوديو الخاص به، حيث كان يقضي وقته بين أصدقائه ومقاهي الحي.

وطالب عدد من الحاضرين بإخراج النعش من السيارة لإلقاء النظرة الأخيرة والطواف به في شوارع أنطلياس، فيما تعالت الزغاريد وقرعت الأجراس، وأُلقيت الأزهار والأرزّ على سيارة الجثمان، وسط دموع الحضور الذين غلب على كثير منهم التأثر الشديد.

ورغم تنوع الحاضرين في خلفياتهم، برز بوضوح حضور لافت لمناصري الأحزاب اليسارية، الذين رددوا شعارات مستوحاة من مواقف زياد، الذي لم يُخفِ انتماءه اليساري طوال مسيرته.

زياد، وهو الابن الأكبر للسيدة فيروز والموسيقار عاصي الرحباني، وُلد في الأول من يناير عام 1956، وسرعان ما شقّ طريقه الفني بأسلوب خاص ميّزه عن الجيل الرحباني الأول.

منذ مطلع السبعينيات، برز كمؤلف مسرحي وموسيقي لاذع، عبّر بأعماله عن الانقسام اللبناني والوجع الاجتماعي والسياسي، بدءاً من “سهرية” ومروراً بـ”نزل السرور”، “بخصوص الكرامة والشعب العنيد”، و”بالنسبة لبكرا شو؟”.

وفي تلك الفترة التي قسمت بيروت بين شرق وغرب، تسرّبت تسجيلات زياد عبر أشرطة الكاسيت إلى مختلف أحياء العاصمة، وكانت مسرحياته تُحفظ عن ظهر قلب حتى من جمهور لم يكن يشاركه الانتماء السياسي، ما أظهر شعبيته العابرة للطوائف والانقسامات.

لحّن زياد مجموعة من أبرز الأغنيات الحديثة للسيدة فيروز، وأسهم في تجديد شكل أعمالها منذ التسعينيات، كما تعاون مع فنانين آخرين في أعمال تركت بصمتها في المشهد الموسيقي العربي.

Exit mobile version