من حق اللبنانيين أن يصرخوا في وجه السفيرة الامريكية، اصمتي، ولا تتدخلي في الشأن اللبناني الداخلي.
من حقهم ذلك حين لا يرتضون بابًا عال ووصاية أو مندوب سام.. أيّ كان المندوب السامي.
من حقهم ذلك حين يكون الباب اللبناني مغلقًا في وجه الأبواب العالية الأخرى، من مثل “الباب العالي الإيراني”، ومجموع مندوبيه السامين الذين يأخذون لبنان إلى متاهة لا أحد منا يعلم متى وكيف ستكون تداعياتها.
من حقهم ذلك حين لايكون لبنان مرتعًا للسفارات والسفراء والقناصل، كما لو أنه مجمّع سفارات لادولة.. صندوق بريد لاجمهورية، ملعبًا في لعبة الأمم لا لاعب، ومن حقه أن يقول لحزب الله كما للسفيرة الأمريكية:
ـ أخرج من دمنا.
يقولون له ذلك، بعد أن ورطهم في لعبة المحاور، فمحور المقاومة إياه، لم يقاوم سوى الشعب السوري في انتهاك حياته، ولم يقاوم سوى الشعب اللبناني في رغيفه، ومن ثم لا أحد على وجه التحديد يعلم متى يزج البلاد في حرب ليست حربه، فالحرب مع إسرائيل لاتعني سوى تدمير بلد لم ينهض من دماره حتى يعاد تدميره كما لو أنه من حصة الدمار فيما التسويات تجتاح المنطقة، وتحديدًا التسويات مع الإسرائيليين، ليس لأن أصحاب التسويات (خونة وعملاء)، بل لأنه ما من حرب في تاريخ البشرية إلاّ وانتهت إلى طاولات التفاوض، بما يجعل السلام هو الطريق الآمن حين تكون الحروب مجرد طريق لتوطيد الاستبداد وتكريس الاستبداد وفوقهما هزيمة عسكرية وهو الحال بدءًا من حرب 1948 وهزيمة “فوزي القاوقجي” وصولاً لـ 1967 وهزيمة “عبد الناصر” بمشروعه وشخصه وحكمه، وصولاً إلى الحروب اللاحقة وآخرها حرب تموز التي لم تعل من شأن السلاح وكل ما فعلته أنها اطلقت خطابات حسن نصر الله، ومن بعدها استيلائه على لبنان، ليتحوّل إلى مندوب سام ووصيًا على اللبنانيين كل اللبنانيين متقاسمًا لبنان مع فاسديه من التيارات والأحزاب والطوائف الأخرى، وها هو اليوم يرخي بظله على اللبنانيين كل اللبنانيين ليتسبب بقطيعة دولية قاتلة على لبنان، وليجعل لبنان جزيرة معزولة ليس من طريق إليه سوى الطريق الإيراني وهو طريق المقبرة والعنف والتجويع، فيما البلد هو الأحوج للانفتاح على العالم كل العالم، حتى ولو كانت المنطقة تعيش احتمالات حرب، فالحروب التي تجتاح مناطق واسعة لابد وتترك منطقة ما، في منطقة الحياد، وقد حدث ذلك في الحروب العالمية الكبرى، وليس من بلد أحوج ليكون على الحياد من لبنان، ذلك أن أي طريق آخر لهذا البلد لن يكون سوى خراب البلد، فالبلد وفي كل المقاييس هو بلد المصرف والفندق والشاطئ، وهذا لايعيبه، فهو كذلك ببنيته الاقتصادية وهو كذلك في بنيته الاجتماعية، وحين لايكون كذلك يكون بلد الساحات المفتوحة على الموت والخراب.
من حق اللبنانيين أن يقولوا للسفيرة الأمريكية اصمتي.. لبنان ليس شأنك، ولست وصية علينا، ولكن من حقه أيضًا أن يقول للسفير الإيراني سفارتك ليست ثكنة للحرس الثوري، وحقائبك الدبلوماسية ليست مخازن مخدرات ومال أسود، وثقافتك خذها إلى حسينياتك في قُم.. كف عن التدخل في شؤوننا.
بغير ذلك، سيكون لبنان إلى المزيد من العزلة، وإلى المزيد من الضيق الاقتصادي، وإلى المزيد من الجوع والعوز والفاقة، ومع الجوع والعوز فإما الحرب الأهلية وإما ركوب البحر والهجرة.
حزب الله لعنة.. لعنة تتناسل من اليمن إلى بغداد إلى بيروت، أما عن دمشق فيا لدمشق كم احترقت بنيرانه.