لقاءات باريس: بين خفض التصعيد واستحالة السلام الشامل

صندوق المرصد

شهدت باريس في اليومين الأخيرين سلسلة لقاءات بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، برعاية أميركية واهتمام أوروبي، في خطوة اعتُبرت استثنائية بعد أكثر من عقدين من الجمود..

اللقاء الأخير جمع وزير الخارجية السوري بوفد إسرائيلي، وتركّز حول قضايا تتعلق باستقرار الجنوب السوري، وآليات خفض التوتر، وإمكانية العودة إلى تفاهمات شبيهة باتفاق فك الاشتباك لعام 1974.

ورغم رمزية هذه اللقاءات، فإن سقفها لا يزال منخفضاً للغاية، فإسرائيل تدخل المفاوضات بشروط واضحة، على رأسها القبول بسلام لا يتضمن إعادة الجولان، إلى جانب قيود على تسليح الجيش السوري. هذه الشروط تُعقّد أي تصور لاتفاق شامل، وتجعل المباحثات أقرب إلى ترتيبات أمنية مرحلية منها إلى تسوية سياسية نهائية.

في موازاة ذلك، يبرز الدور التركي باعتباره عاملاً إضافياً في المشهد. أنقرة وقّعت أخيراً اتفاقاً عسكرياً مع دمشق يشمل التعاون في مجالات التسليح والتدريب، وهو ما يعكس رغبتها في ترسيخ نفوذها في الملف السوري، وموازنة التحركات الإسرائيلية، هذا التداخل التركي–الإسرائيلي يضيف طبقة من التعقيد، إذ يجعل من كل محاولة للتهدئة محكومة بتوازنات إقليمية تتجاوز طرفي النزاع المباشرين.

الولايات المتحدة تبدو بدورها حاضرة كوسيط رئيسي، تسعى إلى منع انزلاق الجنوب السوري إلى مواجهة مفتوحة، خاصة بعد التوترات التي شهدتها محافظة السويداء في الأسابيع الماضية، غير أن واشنطن، كما باريس، تدرك أن ما هو ممكن في هذه المرحلة لا يتجاوز تثبيت خطوط التماس وضمان حد أدنى من الاستقرار.

بناءً على ذلك، يمكن القول إن لقاءات باريس تعكس حاجة جميع الأطراف إلى “إدارة الأزمة” أكثر مما تعكس استعداداً لـ”حل الأزمة”.

سوريا تبحث عن متنفس يخفف من أعباء أزماتها الداخلية، وإسرائيل معنية بتأمين حدودها الجنوبية، وتركيا تسعى إلى تكريس حضورها الإقليمي. أما السلام بمعناه الكامل، أي استعادة الأراضي وإنهاء الاحتلال، فيبدو مؤجلاً إلى أجل غير معلوم.

بهذا المعنى، تشكل لقاءات باريس خطوة مهمة في مسار التهدئة، لكنها بعيدة عن أن تكون مقدمة لمعاهدة سلام شاملة.

إنها، في أفضل الأحوال، محاولة لتبريد جبهة قابلة للالتهاب، وإدارة صراع طويل الأمد بلغة تفاوضية، من دون الاقتراب من القضايا الجوهرية التي ما زالت تفصل بين الطرفين.

Exit mobile version