نبيل الملحم
ـ لأن الإسرائيليين ومنذ إعلان الدولة 1948 لم يؤسسوا لدولة تتعايش مع دول المنطقة، فتحزّمت بالاسوار وارتكبت المجزرة تلو المجزرة، وما رست سياسات الفصل العنصري بما يسمح بالقول أنها وروثت النازية بعد أن كانت من ضحاياها.
ـ لأن منظمة التحرير الفلسطينية تشققت بالفساد والمحسوبيات وبالغفوة الطويلة لأبو مازن ما بعد الاغتيال المُشين لأبو عمار، ومن بعد خرابها ورثتها “حماس” التي لن تحصد شرعية الهيمنة على الفلسطينيين سوى عبر بوابة الحرب، فمن يقتني السلاح يقتني السلطة، سواء بسلاح مهزوم أو بسلاح منتصر، وكلنا يعرف بالتمام والكمال اضطراب وحدات قياس الهزيمة أو النصر ما سمح لمهزومي 5حزيران 1967 ادعاءً النصر، عبر جملتهم الشهيرة “هزمنا عسكريا وانتصرنا سياسياً”.
ـ لأن “الخمينية” مشروع ديني يمتد بثورته المبشِرة إلى كل ساحات المنطقة مما يجعل من طهران المنافس الوحيد لتل أبيب، وقد اطلقت دولة دينية مقابل دولة دينية، لتكونا الدولتان الدينيتان الوحيدتان في هذا العالم، وقد بات عالماً هاجسه فصل الدين عن الدولة، واستطراداً، لانهما يتقاسمان الوعد، فخلاص الأول لن يكون سوى بعودة المهدي من غيبته، وخلاص الثاني لن يكون سوى بانتشال المسيح المخلّص من غيبوبته، ولكل منهما وعده الذي لن يتحقق سوى بالخراب، خراب الهيكل أو تخريب المسجد الأقصى.
ـ لأن حزب الله ذراع إيراني سلاحاً وتمويلاً وعقيدة، ولأنه لا “حزب” لله إن “لا” حرب في المنطقة فمبرره سلاحه، والسلاح لا يُقتنى للحفظ بالمخازن أو لإعارته لفرقة موسيقية.
أما ما بعد الحرب إن اتسعت فسيكون السؤال:
ـ وماذا إذا التحق لبنان وسوريا بالحرب واطلقتا قواتهما إلى غبار معاركها.. ما الذي سيحدث؟
سيقاتل بشار الأسد بجيش ليس إلاّ ميليشيات متقاتلة متناحرة، وبشعب منقسم، وباقتصاد معتل، وبأفران لا تنتج خبزاً وبمشافي هجرها أطباؤها، ومن بعدها سيوطد شرعيته من الحرب بعد أن سقطت شرعيته بالخراب، ومع الشرعية الوليدة سيحتفل باستعادة المحاكم الميدانية بكل تجلياتها، ومع المحاكم الميدانية ستتيسر له كل سبل إطلاق عتاده على أي صوت معترض او حركة معترضة على حكمه فـ “لاصوت يعلو على صوت المعركة”.
أما عن اللبنانيين فلا الجيش يُقرر حرباً، ولا الحكومة تدري بتوقيت انطلاق صافرتها، اما عن فخامة الرئيس فالرئاسة مؤجلة، ووحده حزب الله من يقرر، يدخل الحرب أو لا يدخلها.
ستكون الحرب الشاملة هذا ما يلوح في الأفق ولكل حرب متعهديها، متعهد للخراب، ومتعهد لإعادة الإعمار وسلسلة من متعهدي الاستيلاء على السطات، وكلما اتسعت سلطة العسكر، ضاقت سلطة الحياة والحريات والبرلمان، وهذا ما أكدته أكتوبر ١٩٧٣، ليأتي طوفان غزة ويؤبد ما أوشكت أن تسقطه وقائع الحياة، وعلى الدوام ستكون “إسرائيل” ما كينة إنتاج الثكنة، ومعها يغرق هذا الشرق بـ “ثكنة تقابل ثكنة”، وعدّاد الموت لن يتوقف.
لا زوال للثكنة سوى بـ :
ـ زوال إسرائيل.
ذلك هو الشرط لزوال ما يقابلها ويماثلها، ولن يكون على الضدّ منها.
أليس غريباً، بل وفادح الغرابة ان ننهي كلامنا، بالكلام إياه الذي يكرره حسن نصر الله..