لهذا السبب أقفل محمد بن سلمان خطوط هواتفه في وجه جو بايدن

بايدن وإدارته مستعجلون على إنجاز الاتفاق النووي مع إيران، وقد نستيقظ غدًا على رزمة من القرارات الامريكية التي تخص خزانتها وتفيد بأن “الملالي” طاهرون من رجس الإرهاب، وبعدها ترفع العقوبات عن علي خامنئي ورجاله ودولته، وتصبح الامور سمنًا على عسل، ويحدث هذا على إيقاعات الحرب في كييف، فبينما تحتدم المعارك في كييف يبحث جو بايدن عن تتتويج لسياساته ليُطرَح النفط الإيراني للبيع في الأسواق ويساعد على خفض الأسعار التي ارتفعت بصورة حادة بسبب النزاع.

ولكن ووفق ديفيد شينكر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى “لن يغفل على شركاء واشنطن في المنطقة أن الولايات المتحدة أعطت ضمانات أمنية لأوكرانيا في عام 1994 – مقابل تخلّي أوكرانيا عن الأسلحة النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفيتي”. ولن يطال النسيان دولة الإمارت العربية المتحدة يوم أعطى البيت الأبيض في عهد الرئيس جو بايدن ضمانات مماثلة للإمارات بعد تعرّضها لهجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة من مليشيا الحوثي المدعومة من إيران في اليمن، وتعهَّدَ بأن واشنطن “ستقف إلى جانب شركائها الإماراتيين ضد جميع التهديدات لأراضيها”، وذهبت تعهداته مع الريح.

وفي حين التزمت إدارة بايدن بضماناتها الأمنية الأخيرة من خلال نشر طائرات مقاتلة من طراز “أف-22” وإرسال مدمرة صاروخية إلى الإمارات، يبدو أن أبوظبي تشكك في التزامات الولايات المتحدة، فمنذ ذلك الحين، أعلنت الإمارات عن شراء 12 طائرة تدريب مقاتلة صينية من طراز “إل-15″، مع إمكانية شراء 36 طائرة أخرى. وجاء هذا الإعلان بعد أشهر قليلة من كشف صحيفة “وول ستريت جورنال” عن قيام الصين ببناء منشأة عسكرية في ميناء شمال العاصمة الإماراتية. وبعد وقت قصير من ذلك الكشف، في كانون الأول/ديسمبر 2021، علّقت أبوظبي مفاوضاتها مع واشنطن لشراء 50 طائرة من طراز “أف-35” بقيمة 23 مليار دولار.

تحوّط الإمارات  “وهي محقة” ، ليس استثنائياً على الإطلاق، فقد تعلّمت السعودية أيضاً عدم الاعتماد على الولايات المتحدة. فبعد الهجوم الإيراني بصواريخ كروز الذي تعرّضت له منشأة بقيق لمعالجة النفط التابعة لشركة “أرامكو” السعودية عام 2019، أرسلت إدارة ترامب ما يقرب من 3000 جندي أمريكي وسربين من المقاتلات وبطاريات الدفاع الجوي لطمأنة السعودية، غير أن العلاقات فترت في عهد بايدن، حتى مع بقاء واشنطن ظاهرياً “ملتزمة” بتوفير “المعدات والتدريب والمتابعة اللازمة لحماية السعودية والمنطقة من آثار الإرهاب المزعزعة للاستقرار، ومكافحة النفوذ الإيراني، والتهديدات الأخرى”. لكن بعد أن تعلّمت السعودية بأن الالتزامات الأمريكية قد تكون متقلبة، يبدو أنها تتعاون مع الصين لبناء ترسانتها الخاصة من الصواريخ الباليستية، وفقاً لصور الأقمار الصناعية، ودون ريب فالصينيون على علاّتهم ارسخ قيمًا من القيم الامريكية التي تبيع عند الطلب، وتشتري تحت الطلب ومن ينام تحت غطائها يبرد.

السعوديون والإماراتيون ادركوا الامر بجلاء، وربما ترسخ إدراكهم هذا ما بعد الحرب الاوكرانية، ولهذا رفضت الرياض طلبات إدارة بايدن لزيادة إنتاج النفط للمساعدة في تخفيف الارتفاع الحاد في الأسعار العالمية الذي تفاقم بسبب حرب روسيا على أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، مع اقتراب سعر النفط من 120 دولاراً للبرميل الواحد، ستلتزم السعودية بالحصص المنصوص عليها في اتفاقها المبرم مع روسيا في إطار “أوبك بلس” وبالإضافة إلى إحجام السعودية عن التخلي عن استراتيجيتها النفطية، تشير الرياض إلى أن ذلك يمثل تقلباً آخر في واشنطن: فقبل عامين فقط، كان الرئيس آنذاك دونالد ترامب يتوسل بالسعوديين للقيام بعكس ذلك وخفض الإنتاج.

وبطبيعة الحال، تبقى إيران الشاغل الرئيسي الذي يوحّد شركاء واشنطن في الشرق الأوسط، وهو تهديد تتوقّع دول الخليج وإسرائيل أن يتعاظم متى وإذا عادت إدارة بايدن الدخول في اتفاق نووي مع إيران. إذ لا تزال التجربة المريرة لما حدث بعد اتفاق عام 2015 حاضرة في ذاكرة المنطقة، حين استفاد “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني من وفرة الأموال ليعيث فساداً في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويموّل بصورة أفضل ميليشياته التي تعمل بالوكالة عنه وتزعزع الاستقرار في العراق واليمن ولبنان، في الوقت الذي يعمل فيه “الحرس الثوري” على تطوير صواريخ باليسيتة متقدمة. وخوفاً من تعريض الاتفاق النووي للخطر، لم تفعل إدارة أوباما سوى القليل جداً لكبح طموحات طهران الإقليمية.

ويقيناً، أن الأطراف التي تتلقى الضمانات الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط ليس لديها أوهام بأن روسيا أو الصين ستسدّ الفراغ. لكن ما يسمّى بتحوّل واشنطن نحو آسيا، مقروناً بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والتردد الواضح في استخدام القوة العسكرية، والاعتماد المتزايد على العقوبات الاقتصادية، دفع العديد من قدامى الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى تنويع علاقاتهم. وقد تكون مصر أبرز مثال على هذه الظاهرة حيث تستعد لاستلام مقاتلات روسية الصنع من طراز “سو-35” – وهي عملية شراء قد تؤدي إلى فرض عقوبات عليها من قبل الكونغرس الأمريكي. ومع ذلك، فباستثناء إسرائيل، يشهد اللجوء إلى روسيا والصين للحصول على الأسلحة اتجاهاً نحو الازدياد المستمر.

واليوم، ونعني على المدى القريب، سواء عاد بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران أم لا، لا يوجد التزام أمريكي في المنطقة أكثر أهمية من التعهد بمساعدة الشركاء بوجه التهديد الإيراني المتزايد، حتى لو لم يصل هذا التهديد إلى مستوى السلاح النووي، خاصة وأن ارتفاع أسعار النفط يمدّ المزيد من الأموال إلى خزائن إيران،  ومهما كانت الصفة التي يطلقها المسؤولون الأمريكيون على التزامهم – “حازماً” أو “ثابتاً” أو “صارماً” أو أي مصطلح دبلوماسي آخر من هذا القبيل – فإن وقوف واشنطن إلى جانب شركائها القدامى هو أفضل طريقة للحفاظ على المصداقية وردع الخصوم.

 الاختبار الاوكراني للولايات المتحدة، لم يقل ذلك، وكذا الاختبار الافغاني، أما الاختبار الاكثر دكوية فكان في العراق يوم سّلمت القوات الامريكية “الحرس الثوري” العراق على طبق من فضة.

لاصديق للولايات المتحدة.. هذا ما يدركه أصدقاء أمسها ولذلك أقفل محمد بن سلمان خطوط هواتفه في وجه جو بادين دون ان يقول له:

ـ عفوًا سيدي الرئيس.

Exit mobile version