هاهم الطليان يدفعون بـ “جيورجيا ميلوني”، إلى الكرسي الذي جلس عليه بينيتو موسوليني حاملة معها صورة الدوتشي وإعجابها به، وليس بعيدًا أن يستعيد الالمان صليبهم المعكوف لاستحضار الفوهرر، اما الروس الذين طالما انزرع القيصر في رؤوسهم، فقد استعادوه بفلاديمير بوتين، ولا تستغرب أن يهرع المصاروة إلى ميدان التحرير وهم يقدمون طقوس المجد لتوت عنخ آمون أو للفرعونة نفرتيتي.
مع كل يوم يسجّل العالم انسحابًا ما من هذا العالم، ومع كل انسحاب يتساءل:
ـ ما الذي أبقاه الموديل الأمريكي لنا؟
ولاشيء، نشتغل عند الدولار الأمريكي، ونبحث عن ماكدونالدز الأمريكي، ونرتدي الجينز الامريكي، ولا نقطف العلكة من شجرتها بل من معمل العلكة الأمريكي، وفوق هذا وذاك نبيعنا للسلاح الامريكي فنقتتل به، ووحده يتفرج.
ترك مصير السوفييت بيد القاعدة في أفغانستان، فهزمت القاعدة السوفييت ليس لحساب جبال هندوكوش الأفغانية، وحتمًا ليس لحساب النبي وصحابته.. كانت هزيمة السوفييت هي النصر الامريكي.. نصر بلا تكلفة ولا جثامين مارينز، ومن بعدها دخل افغانستان لينسحب تاركًا ناسها إلى الاقتتال الاهلي، حيث ياكل الافغاني الأفغاني بشهية منقطعة النظير، وكان هذا حال العراق.
حربان عالميتان، وحده الأمريكاني حصد النتائج، اما التكلفة فكانت على عاتق الألمان والروس، وكذلك على دول صغيرة بالكاد بقي لها من البطاطا مايكفي لقوتها.
واليوم، هاهي اوكرانيا، النموذج الاحدث من الموديل الامريكاني:
ـ كلو بعضكم أيها الروس ـ الاوكران.
وعلى اوروبا أن تدفع تكلفة الحرب.. على الالمان وبقية الاوروبيين دفع تكاليف سلاح زيلنسكي، وعلى الفرنسيين أن يكونوا كاسحة الغام بمواجهة الآلة الروسية، وعلى الروس استنزاف مواردهم مع اوكرانيا، شقيقة روسيا، التي يحكي ناسها لغة روسية، وكان نيكيتا خروتشوف قد ولد على الحدود الفاصلة مابين روسيا وأوكرانيا، فباتت الحدود إياها ملاعب حرب ودماء لن تنتهي بمنتصر سوى:
ـ المنتصر الامريكي.
الألمان اليوم، قد اخذوا علمًا بأنهم “مع غزو اوكرانيا أصبحوا في حقبة جديدة” حتى تحوّلت المانيا من اقتصاد فولس فاكن ومرسيدس إلى الاستثمار بمئات مليارت الدولارات بالتعبئة العسكرية، بيد أنّ شولتس اعتبر أنه مع الهجوم الذي يشنّه الرئيس فلاديمير بوتين بات من الواضح أنه “يتعيّن على ألمانيا أن تستثمر أكثر في أمن بلادنا”. وقال إن “الهدف هو التوصل إلى جيش قوي وحديث ومتطور قادر على حمايتنا بشكل يعتمد عليه”.
ـ الحماية مِن مَن؟
من غزو روسي؟
وقد بات العالم على بوابة حرب عالمية ثالثة، ما الذي فعله الامريكان لإيقاف مفاعيلها، أسبابها؟
اكثر مافعلوه هو الدفع بآلة الحرب، لتكون الحرب الطويلة، فالانتصار الروسي مستحيل، وهزيمة الاوكران بالنسبة للامريكان ليست مسألة تشغل بالهم.. المهم، المزيد من مناطق النزاع، للمزيد من شركات السلاح، كما المزيد من الهيمنة، وإذا ماساءت الامور اكثر فالقنابل القذرة ستلقى على القارة الاوروبية، فالمحيط لابد ويشكّل درعًا واقيًا للامريكان الذين يتمددون وراءه.
العالم، ارتدى الموديل الامريكاني وحده، وعلى الصيني ارتداءه، كما على الأوروبي والروسي والإسلامي.. على الجميع ارتداء الموديل الامريكاني وإلاّ:
ـ وإلاّ تكون الحروب المتفرقة.
أوروبيون كثر بدأوا يعلنوها موجة واسعة:
ـ اوروبا للأوربيين، ولولا الموديل الامريكاني القسري، لما عاد الطليان إلى موسوليني، وكذلك الروس، لم يكن ليغريهم القيصر.