مرصد مينا
ربما تكون الخدمة الأعلى شأناً والتي قُدمت لنظام الأسد هي خدمة “التهجير”، قدّم الخدمة إياها طيرانه الحربي بداية، ومن ثم الطيران الروسي لاحقًا، وفي الطريق من الجو إلى البر ميليشيات مناصريه بدءاً من فاغنر وصولاً إلى حزب الله، ومن بعد كل هذا وذاك “تشجيع الهجرة” وكان لمعارضات عديدة الاشتغال عليها، وبالنتيجة إفراغ البلد من شبابها، وهم القوّة القابلة لإحداث الحركات الاحتجاجية التي طالما قادت إلى الثورات الشاملة.
استراح النظام من بلد يزيد شبابه عن ثلاثة أرباع سكّانه، ولو سارت الأمور بمشيئة النظام لحوّل البلد إلى نادي عجزة يفتقد إلى الخدمات الضرورية التي تُقدّم للعاجزين.
بمن تبقّى من شباب البلد ها نحن نرى الحركات الاحتجاجية التي لم تُسقِط النظام بعد، ولكنها أسقطت تماثيلة وصوره وهتفت استمراراً لهتافات مطلع الثورة “الشعب يريد إسقاط النظام”، فهزّت ما تبقى من حضور لمؤسساته الأمنية وميليشياته العسكرية، وصولاً لإخراجه كليّاً من الخدمة، والمثل الصريح قُدّم في السويداء اليوم، وسط بلد مناصر بما لا يقبل الشك لصوت جنوبه.
في لبنان وتركيا حصراً، يعاني المهاجرون السوريون من الحصار امتداداً للرفض، ولكل أسبابه وحججه، والحصار والرفض ببعديهما يشتغلان على إعادة اللاجئين إلى بلدهم، وليته يكون.
ليته يكون، لا لإعادة الفارين من النظام إلى زنزانة النظام، بل ليته، ذلك أن عودة شباب البلد إلى البلد لا تعني سوى استعادة البلد لحيويته وقد عاد شبابه محمّلين بخبرات جديدة، وبأدوات جديدة، وإلى ساحات جديدة، وفي لبنان، وخصوصاً في صفوف القوى والأحزاب “الاستقلالية” ربما لم يدركوا حساسية وأهمية مثل تلك العودة، فلا يحضّون عليها، على العكس من القوى والأحزاب “صديقة النظام” بل “وحليفته” بما يجعل المسألة معكوسة:
ـ القوى المتشابكة مع النظام كحزب الله والتيار، تدفع باتجاه عودة اللاجئين.
ـ والقوى المشتبكة مع النظام كالقوات والكتائب والاشتراكي يتمسكون ببقائهم أو يصمتون عنه.
وهنا تكون المفارقة الكبرى، دون نسيان تلك الهيئات والمؤسسات التابعة للمجتمع المدني والتي وبلا شك تستثمر مالياً في اللاجئين وتثرى من وراء لجوئهم، لتتركهم سائبين تحت ظروف عيش لا تسمح بوصفها بـ “الإنسانية” ولا بحال.
عودة اللاجئين، وأيّ كانت صيغتها وأثمانها وآلامها واحتمالاتها، ولابد أن زنازن النظام واحدة من تلك الاحتمالات، لن تكون موضع ترحيب من قبل النظام، فالقوّة الفاعلة في مواجهته موزعة على القارات الخمس، وذات يوم كان رفعت الأسد قد نظّر للمسألة، يومها قال:
ـ استلمنا البلد بخمسة ملايين نسمة، وسنعيدها كذلك.
وقد فعل “ابن الشقيق” ما تمناه العم، وبالنتيجة بات البلد بشباب أقل، وإن بهمّة عالية.
مطلب العودة، قد يتحوّل إلى انتفاضة جديدة، بل إلى إحياء ماخسرته الثورة القديمة.
هذا ما يغفل عنه الكثير ممن يحلمون بـ :
ـ إسقاط النظام.