نبيل الملحم
انتفاضات السويداء، وما تلاها من صدى على امتداد سوريا، كتبت وبلغة بالغة الوضوح:
ـ لا بشار ولا عرعور، وكلاهما بشار والعرعور، فلقتان لمؤخرة واحدة طال مكوثها في سوريا، وها هي سوريا تقول كلمتها، لا طائفية ولا تطييف، ولا أقلية ولا أكثرية سوى اكثرية المحرومين، وأقلية اللصوص والفاسدين، وقد استعادت الأكثرية حقيقتها وتماسكها ونبل أهدافها لتكون سوريا بلد الكل، والوطن النهائي للجميع.
ـ لا تنفصل الحركة المطلبية عن الحراك السياسي، فالحركات المطلبية شكّلت رافعة للتغيير السياسي، التغيير السياسي الذي رفضة النظام مكابرة وعناداً وصلافة، فمن يمتلك في السياسة كل شيء لابد وسيخسر كل شيء.
ـ إفلاس النظام، بما فيه إفلاسه عن الاسترسال في مواجهة الناس بالحديد والنار، وهذه ليست مشيئته بعد انهيار قوّته.. فإذا ما امتلك الرغبة فلابد وأنه خسر القوّة.
ـ استقلالها عن النظام العربي، دعماً او تمويلاً بل وحتى إعلاماً، فالنظام العربي صاحب الحظيرة الواحدة والزنزانة الواحدة، واللغة الواحدة، لن يكون داعماً لثورة إن لم يزرع في جوفها “الثورة المضادة” ويحوّلها إلى “هوشة على طريدة”.
ـ الناس، عموم الناس لن تكون عاجزة عن إدارة شؤونها، بالعقل والحكمة وبالسلام، وهذه السويداء لم تشهد “ضربة كف” أو “صفعة” حتى بمواجهة أزلام النظام وسدنة هيكله.
ـ دين سوريا، هو دين الحرية والتنمية الوطنية، ومطلبها من إلهها، العدالة والمساواة وسيادة القانون، والاحتكام لخيارات الناس، وكرامة الرغيف.
ـ لا خالد إلى الأبد سوى التاريخ ودروس التاريخ وحكمة التاريخ، وما من تاريخ إلاّ وسجّل انهيار الطغيان، وقد انتهت ممالك الطغيان إلى الذباب.
لكن ما يحدث في سوريا اليوم، لابد ويسجّل المزيد من النقاط:
ـ مُنح بشار الأسد مالم يمنح لطاغية أو للص أو قاطع طريق، فالفرص كانت وإلى ما قبل يوم وليلة، مفتوحة له لتدارك المزيد من انهيار البلاد، وأول الفرص المتاحة له، هي مصالحة شعبه، ومصالحة شعبه لابد وأن تتضمن رحيله، فاختار الرحيل بالخناجر بدل الرحيل بتواضع المهزوم، وثمة حكاية قد تمنح المعنى بل والحكمة لإدارة صراع أي صراع بما فيه صراع المتحاربين، سأكتفي بأن أسردها هنا، و “ذو العقل يلتقط من الحكاية حكمتها”:
كان الجنرال الألماني ديتريش فون شولتز حاكم باريس العسكري من قبل النازيين، كان هذا في عام ١٩٤٤، أصدر هتلر أوامره إلى الجنرال إياه بحرق باريس، غير أن الجنرال “النازي” رفض أوامر زعيمة “النازي” وسلّم باريس للقوات الفرنسية الحرّة.
في عام 1966 ذهب شولتز إلى باريس؛ هذه المرة ليس كجنرال ألماني إنما بدعوة من شركة سينمائية كانت تصور فيلماَ عن باريس تحت الاحتلال الألماني فقال:
في 27/8/1944 طلب “بيار تينانجن” رئيس بلدية باريس مقابلتي وبعد إلحاح شديد من جانبه قابلته، وأخذ يرجوني ألا أحرق باريس، ولكني لم أتأثر بكلمة واحدة مما قاله .
أثناء حديث بيار انتابتني نوبة ربو ، فأسرعت إلى الشرفة في طلب الهواء النقي، وأسرع بيار يلحق بي، وبينما نحن واقفان أشار بيار الى كنيسة سانت شابيل ومتحف اللوفر وابراج نوتردام وقال بلهجة مؤثرة:
جنرال فون شولتز انظر الى روائع التاريخ، وافترض أنك ستعود في يوم آخر وتقف هنا وتقول: كنت قادرا على إزالة هذه الروائع من الوجود، ولكني فضلت أن أبقي عليها إكراما للإنسانية، أليس هذا انتصارا أكبر من انتصار إحراقها؟”.
ديتريش النازي لم يحرق باريس وكان بوسعه، وهاهم الباريسيون اليوم يقولونها:
ـ مجد حماية المدينة أعظم من لعنات تدميرها.
ليت بشار الأسد يقرأ ولو قليلاً من التاريخ.
ليته يفعل.