ليس نيترات أمونيوم ما انفجر في ميناء بيروت

ما انفجر في ميناء بيروت، ليس مستوعب مواد متفجرة، إن ما انفجر هو ثلاثية:

ـ الفساد / الدولة داخل الدولة / الطائفة.

ونقول ذلك، لأن هذا الثالوث كما حال أحجار الجدار يسند بعضه بعضًا، فهو البنيان المرصوص، لبلد تكالب عليه الفاسدون، بحماية الدولة داخل الدولة وتعبيرها بحزب الله، ومن ثم الطائفة التي صيغت الدولة على أساسها ليكون الفاسد خارج الحساب والعقاب، حتى ولو أدى فساده إلى كارثة، وهاهي الكارثة وقد وقعت، وأي كارثة؟

كارثة أزالت جزءأً من المدينة مع عشرات القتلى وآلاف الجرحى، وما تبقى من المدينة لن يكون سوى برسم الانهيار، وبالنتيجة، لينجز الفساد مالا يمكن لحرب أن تنجزه، ففي دقائق ثلاث باتت العاصمة خرابًا وفيها شطب الميناء من حياة بلد المتوسط، ومعه باتت المدينة منكوبة، سكّانها منكوبون، وتاريخها في نكبة، ولا ندري أي حال سيلحق بمستقبلها، وهي تعيش ماقبل الانفجار تحت وطأة العوز، وجائحتي المصارف وكورونا، ولن يكون من يحاسب، فالكلّ مغطّى، وما من قوّة بوسعها رفع الغطاء عن قاتل أو مجرم محمي بقوّة أخرى قاتلة ومجرمة من طرازه ونوعه وإن من موقعين مختلفين.

واليوم؟

هاهو الموت يتحوّل لاستثمار في السياسة، فالفاسدون والقتلة يهاجمون الفاسدين والقتلة، والمتشابهون يسارعون لتراشق التهم، مع أنه وفي كل ماشهد لبنان من لغات وأزمات، وتعبيرات، لم يكن ثمة تعبير بدقّة ونزاهة ذاك الشعار الذي أطلقه متظاهرو أكتوبر يوم قالوا:

ـ كلن يعني  كلن.

غير أن (كلن) هذه لتتحقق، ليس بالوسع أن تتحول الى قوّة مادام ثمة قمة ترخي بثقلها على اللبنانيين، وهي قوة حزب الله وسلاح حزب الله، فأي تغيير سيلحق بـ (كلن) لابد ويطال حزب الله أولاً وهاهو الحزب، وفي كل منعطف يعلنها:

ـ الى السلاح.

إلى السلاح مرتين، مرة بمواجهة جماهير غاضبة، ومرة بالتلويح بالحرب مع إسرائيل، ومع الحرب الاولى يستثمر في القمصان السود، أما في الحرب الثانية فيزج لبنان كل لبنان في حرب لاتعني سوى الدمار والمزيد من الدمار والخراب والمزيد من الخراب، في بلد منهك في الاقتصاد وخارج عن الإجماع، إنقاذه في حياده قبل أن يكون إنقاذه في حرب أي كانت مهزومة أو منتصرة.

لبنان مابعد انفجار الميناء، ليس لبنان ما بعده، لابد وأن يكون هذا هو الحال فلاثقة بما تقوله حكومته، ولا ثقة بما تمارسه أحزابه، ولاثقة بمن يستثمر في موته وتفجيراته، ولابد أن تحت البلاطة غير مافوقها، فالوقت مبكّر على القول:

ـ من؟ وكيف؟ من أدخل المتفجرات، ومن فجرها؟ ولم فجرها؟ وكيف فجرها؟

غير أنها تفجّرت، وهانحن نتأمل في صورة المدينة وقد غدت أطلالاً.

أطلالاً لن يعيد إعمارها من رسم خرابها.

قلوب الناس كل الناس على لبنان، وأصابع القتلة على الزناد.

ما انفجر في ميناء بيروت ليس نيترات أمونيوم كما تقول الحكاية.. إن ما انفجر هو تحالف فساد / دولة داخل الدولة / الطائفة.. ما انفجر هو الصيغة التي طالما أحدثت الانفجارات في لبنان.

صيغة لن ينجو لبنان منها إذا ما دمّرت الصيغة.. بقائها يعني الاسترسال في تدمير لبنان.

سلامتك يالبنان.

Exit mobile version