
زاوية مينا
ما أن تتوقف حتى تتجدد، فهي أطول حرب عرفها الصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، وبقتلى يساوي مجموع الحروب (مضاعفة)، وليس ثمة ثقب في الباب المغلق يفيد بأن هذه الحرب ستتوقف.
غزة مدينة ومخيمات، باتت ركاماً يتجاوز المشهد فيه تلك الصور المسجّلة عن دمار دريسدن، والنتائج على الطرفين المتحاربين، مرئية بوضوح على الجانب الفلسطيني، كون دمار الإنسان أشدّ وطأة من دمار المباني، والتراجيديا فيه أعلى صوتاً، غير أن انعكاسات ما يحدث على الجانب الإسرائيلي، هو “بعض دمار” إن شئنا التخفيف من وطأته، ودماراً صريحاً إن قرأنا ما خلف المشهد، فالإسرائيليون وفق عقيدة القوّة “لايُهزمون” غير أن الوقائع تشير إلى خراب طال الكثير فقد:
ـ شهد الاقتصاد الإسرائيلي انكماشاً بنسبة 5.7% في الربع الرابع من عام 2023، نتيجة لتراجع الاستهلاك والاستثمار والصادرات، مقابل زيادة في الإنفاق الحكومي لتغطية تكاليف الحرب.
ـ ارتفع العجز المالي إلى 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول أغسطس 2024، مع إنفاق حوالي 97 مليار شيكل على العمليات العسكرية.
ـ أنفقت إسرائيل 30 مليار دولار من احتياطياتها من العملات الأجنبية خلال الأسابيع الأولى من الحرب لمواجهة الطلب المتزايد.
ـ انخفضت الاستثمارات في الأصول الثابتة بنسبة 5.9% والصادرات بنسبة 5.6% خلال عام 2024 هذا على المستوى الاقتصادي، الذي يعادل “الروح” بالنسبة للإسرائيلي، فـ “المال” يزيد قيمة عن الأرواح منذ حكاية اليهودي الأول وعجله الذهبي.
أما على المستوى الاجتماعي:
فقد خسر العديد من الشباب الإسرائيلي وظائفهم ومساكنهم، مما أدى إلى زيادة في معدلات الجوع والاكتئاب والجريمة، كما أدى توسع العمليات الحربية إلى نزوح داخلي قدّر بنحو مليون شخص خاصة في المناطق الجنوبية والشمالية.
على المستوى السياسي، أدت الحرب إلى خلافات داخلية حول أهداف الحرب وخيارات وقف إطلاق النار، مما أدى إلى تآكل الإجماع السياسي في إسرائيل.
وهاهي إسرائيل تشهد يومياً احتجاجات من أهالي الأسرى الإسرائيليين، وهي من الأحداث النادرة التي تحدث أثناء الحرب، مما يشير إلى اضطرابات داخلية متزايدة.
كل ذلك عداك عن صورة إسرائيل الدولية، حيث فقدت الكثير من رصيدها الأخلاقي على المستوى الغربي والعالمي، حتى بات مقارنتها بالنازية ممكنة بعد أن كانت من المحرّمات.
في المجمل، أدت الحرب على غزة إلى أزمات متعددة في الداخل الإسرائيلي، شملت تدهورًا اقتصاديًا، تفككًا اجتماعيًا، واضطرابات سياسية، مما يضع البلاد أمام تحديات كبيرة في المستقبل القريب.
كلّه يقول بأن حجم الخسائر الإسرائيلية بات ثقيلاً، ومع هذه النتائج الثقيلة، يستمر بنيامين نتنياهو في حربه، فالمسألة تجاوزت استعادة الأسرى والمختطفين، فأي عقل محشو بدماغ هذا الرجل؟ ثم:
ـ ما الذي يريده؟
اقتلاع الغزاويين إلى ريفييرا دونالد ترامب؟
ما من ريفييرا في هذا الكوكب، تعادل خيمة الفلسطيني بالنسبة للفلسطيني، فـ “الريفييرا” الفلسطينية، مازالت في يوتوبيا “المفتاح” المعلّق بالرقبة”.
ـ القاء الغزاويين إلى مصر أو الأردن؟
لا المصريون يرتضون ذلك، ولا الأردنيون، فقد:
رفضت مصر والأردن بشكل قاطع أي خطط لترحيل سكان غزة إليهما، محذرتين من أن ذلك سيؤدي إلى زعزعة كلا البلدين وبالتالي المنطقة برمتها.
كان ذلك اقتراحاً إسرائيلياً، بل تطلعاً إسرائيلياً بترحيب من دونالد ترامب، غير أنه، ونعني ترامب، تراجع لاحقاً عن رغباته، مؤكداً أنه “لا أحد يجبر سكان غزة على المغادرة”.
والحال كذلك ما الذي تبقّى لبنيامين نتنياهو، فيما الوقائع تقول:
ـ لا أسراه استعيدوا، ولا عمليات حماس توقفت، ولا الاقتلاع ممكناً؟
يبدو أن الرجل يبحث عن “البطولة” ليكون:
ـ هرقل إسرائيل.
ولكن هرقل دمّر المعبد على نفسه وعلى من فيه.