العراقيون اتفقوا على رئيس، وكان العراق من بلدان السكان الذين لم يعرفوا سوى الرئيس الذي يضع مسدسه وقدميه على الطاولة ويحتل القصر الجمهوري، ويتحوّل إلى “الأب القائد” و “القائد الملهم”، وما من صفة تخص الله إلاّ والتصقت به.
والسوادان اختارت مجلسها العسكري ليختار رئيسًا، ربما من الثكنة، وفي اليمن ما من رئيس سوى البندقية والجيوش، ولكن الكلام كل الكلام يستهلك في لبنان بحثًا عن رئيس ما بعد ميشال عون الذي سيعود إلى بيته، لا رئيسًا ولا جنرالاً.
اللبنانيون يلعبون مع الوقت، فالجماعة لم يتوافقوا على رئيس وكل يطرح عناوين مستنسخة عن الآخر:
ـ نريد رئيسًا استقلاليًا، أو نريد رئيسًا توافقيًا، والكل يتجنّب القول “نريد رئيس تحدي”.
كيف سيكون لهم رئيسًا “صناعة لبنانية” إذا كانت قوّة تشرب من البئر الإيراني، وثانية تنام في السرير السعودي، وثالث لايغسل وجهه بلا استشارة من السفارة الامريكية ورابع لايجد أمه وأبيه إلا في باريس مربط خيله؟
لن يكون رئيسًا في هكذا حال، فإذا كان خيار “الممانعة” هو “سليمان بيك فرنجية”، فلن يكون “فرنجية” خيار سمير جعجع، وقد صنع بينهما الحدّاد ماصنع، وإذا كان سمير جعجع سيستبدل رئاستة بالسيدة ستريدا، فلن يقبله لا سليمان فرنجية ولا محور الممانعة، أما جبران باسيل فلقد بلغ حجمه وفرصته “صهر الرئيس السابق” ولن تتوفر له فرصة أخرى، وله مع الممانعة نصف قلب، ومع الاعتراضيين صفر قلب، أما خصومه فـ “كلن” مع أنه كان من “كلن”.
الشخصية الوحيدة التي يمكنها أن تنقذ الوضع وتتجه إلى مقعد الرئاسة بالحد الادنى من الخصومات، والحد الأعلى من التوافقات هو جوزيف عون قائد الجيش، وهو الوحيد الصامت اليوم، الذي لم يطرح نفسه رئيسًا فيما “الكل” يعودون إلى اسمه كلما اشتد النزاع وبلغت الصراعات ذروتها.
ـ لم لايكون قائد الجيش رئيسًا؟
لم لايكون وقد تاهت كل المؤسسات اللبنانية وتحوّلت إلى الأزقة باستثناء المؤسسة العسكرية التي مازالت على مسافة واحدة من مجموع الخصوم، فيما اشتغلت على “امان” البلد يوم كانت فلتاناتها على الباب وكانت الحرب الأهلية على وشك اجتياج البلد.
اليوم ترمى أسماء وأسماء، وكل الأسماء التي ترمى هي أسماء بلا حظوظ.
وحده صاحب الحظ هو جوزيف عون، ليس لأنه شارل ديغول، بل لأنه خارج النزاعات، فهو الحد الأدنى في بلد لن يتاح له “حدًا أعلى” فالحد الأعلى يعني الاقتتال والاقتتال وحده.
لبنان على ضفة النهر.
لاندري إذا ماكان سيتحول إلى جثة ومن سينتظره إذا كان الحال كذلك.. من ينتظرها على حافة النهر.