ماذا تعرف عنها؟ في الذكرى الـ45 لتقسيم قبرص

يحمل شهر تموز مفاجآت للأتراك، فهو الشهر الذي فشل فيه انقلاب مفاجئ، كان يهدف لإسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس التركي الحالي “رجب طيب اردوغان”، كما أنه الشهر الذي أعلنت فيه تركيا سيطرتها على شمال قبرص، وللمصادفة فإن يوم “15 تموز” يجمع الحدثين.

حرب التقسيم عام 1974

ففي تموز 1974م، تمكن الجيش التركي من السيطرة على الجزء الشمالي من جزيرة قبرص، إثر انقلاب عسكري فاشل على المجلس العسكري الحاكم في اليونان، حينها سنحت الفرصة للجيش التركي بالتدخل، تحت ذريعة حماية القبارصة الأتراك، وتمكن بهذا التدخل من فرض سيطرته على شمال الجزيرة، ليعلن في 1983م عن تشكيل “جمهورية قبرص التركية” من جانب واحد، وذلك حين أعلن زعيم القبارصة الأتراك “رؤوف دكتش” قيام “جمهورية قبرص الشمالية” والواقعة تحت سيطرة تركيا، “بحكم الواقع”، والتي ضمت 38% من أراضي الجزيرة، ولا يوجد اعتراف دولي بهذه الجمهورية نهائياً باستثناء تركيا التي أوجدتها.

تسببت هذه السيطرة بهروب نحو 162 ألف قبرصي يوناني كانوا متواجدين في الجزء الشمالي الذي سيطرت تركيا عليه، إلى جنوب الجزيرة، بينما وصل من الجهة الجنوبية قرابة 48 ألف قبرصي تركي، كما فُقد في هذه الحرب 1400 شخص، وقتل 3000 إنسان.

ففي الوقت الذي تجمع الجزيرة القبارصة يفترق الطرفان في الإنتماء الديني، فالقبارصة اليونانيين مسيحوين ينتمون إلى الكنيسة الأرثذوكسية، بينما يعتنق القبارصة الأتراك الدين الإسلامي وهم من الطائفة السنيّة.

شهدت الجزيرة القبرصية حرب كبيرة، كان من أبرز ميادينها “معركة المطار”- مطار نيقوسيا- ففي تموز 1974 حاولت القوات التركية الإستيلاء على المطار كونه النقطة استراتيجية الأبرز في العاصمة نيقوسيا، دافع الحرس الوطني القبرصي اليوناني والجيش اليوناني، عن المطار بشراسة، لكن الحرب كانت أقوى من كل شيء.

توقفت معركة المطار بتدخل أممي، عندما قرر العقيد الكندي “بيتي” التدخل بين القوتين ورفع الراية البيضاء- حيث كان جنود الأمم المتحدة يفصلون بين الجيشين- بعد ذلك أعلن مجلس الأمن أن المطار بأكمله منطقة واقعة تحت حماية الأمم المتحدة، ونشرت الأمم المتحدة منذ ذلك الوقت منطقة عازلة بطول 180 كم، مهمتها مراقبة وقف إطلاق النار، والعمل كوسيط في المباحثات.

تسعى أوربا إلى السيطرة على جزيرة قبرص فهي بوابتها الأمامية نحو الشرق، كما ترى تركيا في الجزيرة حرس الحدود لأمنها القومي في البحر الأبيض، ناهيك عن الإرث “العثماني” الكبير الذي يفتخر به الأتراك في الجزيرة، كما أن اكتشاف الغاز الطبيعي على سواحل جزيرة قبرص أصبح مركز توتر جديد بين تركيا وجمهورية قبرص.

بالرغم من كل المباحثات التي لم تتوقف عملياً إلا أن بوادر الوصول إلى حل سياسي بين الدولتين ;ndashالتركية والقبرصية- غير موجودة، وأبرز المشاكل الحضور العسكري التركي تقاسم الأراضي المشاكل الأمنية.

مدن مهجورة ونازحون يبحثون عن الهوية

لم تسفر الحرب والتقسيم عن الموت والضياع والتشرد البشري فحسب، بل أفضت إلى تدمير مدن تاريخية وتقيسم أخرى، حيث عانت المدن من الحرب ومدينة “فاروشا” أحد هذه المدن.

“فاروشا” في مدينة “فماغوستا” اليوم، فارغة حزينة، أصبحت مدينة أشباح بعد أن هجرها أهلها إثر اندلاع الحرب، وكانت تعد من المراكز السياحية في البحر الأبيض المتوسط.

هرب نحو 15 ألف مدني من “فاروشا”، وأسسوا حياةً جدية لهم في الجزي الجنوبي من الجزيرة، والذي أصبح فيما بعد “جمهورية قبرص” المعترف عليها دولياً، كما أنها جزء من الاتحاد الأوربي، العديد منهم يحلمون بالعودة للوطن، كما أن البعض لا يريد العودة وترك حياة تعب في التأسيس لها.

يعتبر “جورج” واحداً من آلاف القبارصة اليونانيين اللذين هجروا “فاروشا” لكن قلبه مايزال معلقاً بها، يتذكر كل لحظة له فيها، في لقاء لـ “جورج” بُث عبر شاشات التلفزة، قال جوروج “لقد خرجت من المدينة وعمري 7 سنوات، حينها كانت الحرب قاسية” ويروي جروج ذكرياته التي عاشها وكأنها حدثت بالأمس:” لقد كان والدي مهندساً معمارياً، مسك قلم رصاص وورقة ورسم عليها مخطط المنزل، وعندما انتهى أشرت بيدي إلى غرفتي على الورقة وقلت هذه غرفتي”، تفاصيل يرويها “جوروج” لن ينساها، حتى بعد رحلة نزوجه التي قارب عمرها على 50 عام.

يقول “أبو جورج” في اللقاء المتلفز:” لقد حول السياسيون مسألة التفاوض في المشكلة القبرصية إلى مهنة يجنون من وراءها المال، وهم يفكرون بقبرص فقط عند الانتخابات حيث يقومون بزيادة الشعارات القومية”.

مبادرة محلية للتقارب

لم تفلح جهود الساسة طوال الأربعة وخمسين سنة الماضية في إحداث تقارب يحل ماساة المدن وأهلها، فالحرب لم تقتل وتهجر البشر فحسب، بل قتلت مدناً بأكملها عندما فرغتها من سكانها وحولتها لمدينة أشباح فارغة، وتعد “فماغوستا” المدينة المفرغة من أهلها، النقطة الجامعة بين الأتراك واليونانيين، فاللعرقين بالمدينة ذكريات وأملاك.

في عام 2010 أطلق شابان من القبارصة الأتراك مبادرة محلية بعنوان “مبادرة لإحياء مدينة فماغوستا” فما يجمع أوكان داكلي ومرتكان حامد مع “فماغوستا” الكثير، فقد بدأت الحرب وهما بعمر العاشرة تقريباً، وماتزال ذكريات المدينة النشطة عالقة بمخيلتهما.

يقول “أوكان داكلي” عن مبادرته:”أتذكر الأيام السعيدة في هذه المدينة، عندما بدأت الحرب كنت في سن العاشرة هذا المنظر جميل جد لكني اليوم حزين فهي خالية هي مدينة أشباح، هذا غير ممكن إننا نعيش منذ 40 عاماً بجاور مدينة لايوجد فيها أي شخص إنها مدينة أشباح وهذا له آثار سلبية علينا وعلى مجتمعنا”.

“مرتكان حامد “رفيق “أوكان” في المبادرة يقول:”أعتقد أن جيل الشباب القبرصي التركي يواجه عواقب هذه العزلة لأنه يعيش في جزيرة مقسمة مع الكثير من الظروف غير المناسبة”

ويتابع:” لذلك عندما أردنا مواجهة عقبات الوضع الراهن بحثنا عن البدائل الآن مباردة فماغوستا تعد فرصة كبيرة للمطالبة بأشياء مستقبلية إن تمكنا من تحقيق شيء في فماغوستا فسنتمكن من تحقيق شيئ في قبرص أيضاً”.

ويؤكد الشابان أن 73% من القبارصة الأتراك يؤيدون المبادرة التي تطالب بتوثيق ملكية الأفراد من القبارصة اليونانيين لممتلكاتهم في “فماغوستا”.

الحدود والمعابر

منذ 1974 أصبحت الجزيرة مقسمة إلى خط أخضر يحدد قسميها، ومنطقة عازلة تقسم العاصمة نيقوسيا، وشطران الشمالي تركي، والجنوبي يوناني.

بقيت الحدود بين شطري الجزيرة مغلقة لغاية 2003، حيث افتتحت أول نقطة عبور على الخط الأخضر من نيقوسا، ليصبح اليوم عدد المعابر المفتوح بين الطرفين 9 معابر، وبعدها استأنفت المبادلات الاقتصادية 2004.

وتسعى الأمم المتحدة إلى رأب الصدع بين شطري الجزيرة المقسمة، وفي خطة لتوحيد شطري الجزيرة طرحتها الأمم المتحدة عام 2004 ضمن استفتاء شعبي شارك فيه شطري الجزيرة؛ تبين أن 57% من القبارصة اليونانين قد رفضوا خططاً لتوحيد الجزيرة، بينما وافق عليها القبارصة الأتراك بنسبة 65%.

وماتزال قبرص والقبرصيين بانتظار حلّ يعيد الحب إلى الجزيرة التي جذبت إليها أنظار الفاتحين والقادة العسكريين منذ فجر التاريخ.

مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الاعلامي

Exit mobile version