مرصد مينا
نشرت صحيفة “لوبوان” الفرنسية مقالا لعالم البيئة البريطاني “بيغي ساستر” يجيب فيه على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بنتائج الحرب النووية في حال اندلعت بين روسيا والولايات المتحدة.
آخر تقييم للقدرة العسكرية النووية الروسية في بداية عام 2022 كان يتوقع أن روسيا تمتلك مخزونا من نحو 4477 رأسا نوويا، وهو ما يقرب من 6 آلاف إذا ضمّت إليه الرؤوس الحربية “التي تم إيقاف تشغيلها”، في حين تحتفظ الولايات المتحدة بترسانة مكافئة تقريبا من 5500 رأس حربي، 3800 منها قابلة للنشر بسرعة.
يقول “ساستر” إن ما تم تفجيره أثناء الحرب العالمية الثانية لا يتجاوز 3 ملايين طن من مكافئ مادة “تي إن تي” (TNT)، في حين أن كل غواصة بريطانية من طراز “ترايدنت” (Trident) تحمل 4 ميغا طن من مكافئ الـ”تي إن تي” على 40 رأسا نوويا، وذلك يعني أن واحدة فقط من هذه السفن يمكن أن تسبب دمارا أكثر مما حدث في الحرب العالمية الثانية بأكملها.
العالم البريطاني وضع تصوره عن حرب نووية محدودة وأخرى واسعة النطاق، بالنسبة للمحدود، وقبل الحرب في أوكرانيا كان يبدو من غير المرجح أن تتصادم القوى العظمى مرة أخرى، وقد نشرت دراسة تبحث في العواقب المحتملة لاستخدام الأسلحة النووية في المناطق الحضرية الأكثر اكتظاظا بالسكان في الهند وباكستان، وقدّرت أن كل تفجير يكفي لتحويل 13 كيلومترا مربعا إلى رماد، مع 5 تيراغرامات من السخام في الغلاف الجوي والتلوث الناجم عن حرائق الغابات والمباني، وفي سيناريو الحرب النووية “المحدودة” هذا لا تُحدّد الوفيات البشرية المباشرة كمّيا، ولكن من المحتمل أن يبلغ عددها عشرات أو مئات الملايين، كما أن العواقب على الكوكب وخيمة، لأنها ستحجب الإشعاع الشمسي وتخفض درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 1.8 درجة مئوية خلال 5 سنوات بعد القصف.
أما بالنسبة لتصوره عن حرب نووية واسعة النطاق، فقد استعرض “ساستر” تحليلا لسيناريو حرب نووية بين روسيا والولايات المتحدة، في ضوء دراسة أُنجزت عام 2008، وتوقعت أن تطلق روسيا 2200 سلاح إلى الدول الغربية، وأن تطلق الولايات المتحدة بالمقابل 1100 سلاح إلى الصين و1100 قطعة أخرى إلى روسيا، وذلك يعني إطلاق 4400 رأس حربي بالجملة، من دون أخذ الأسلحة النووية التي تمتلكها دول أخرى في الاعتبار.
ورأت الدراسة أن مثل هذه الحرب النووية الشاملة ستؤدي إلى وفاة 770 مليون شخص بشكل مباشر، وتوليد 180 تيراغراما من السخام نتيجة حرق المدن والغابات، وسيقتل فيها خمس السكان في الولايات المتحدة على الفور.
وفي دراسة أخرى نُشرت في عام 2019، تتصور حربا نووية ذات حجم مكافئ، لوحظت تقديرات أقل قليلا، تبلغ 150 تيراغراما من السخام الجوي، يتسبب في حجب 30% أو 40% من ضوء الشمس في الأشهر الستة التالية، مما يؤدي إلى انخفاض هائل في درجات الحرارة، لتبقى أقل من درجة التجمد طوال فصل الصيف التالي في نصف الكرة الشمالي، وهو ما يعني شتاء نوويا بالمعنى الحرفي للكلمة.
وستظل درجات الحرارة في الصيف أقل من درجة التجمد على مدى سنوات، وستنخفض معدلات هطل الأمطار العالمية إلى النصف في العامين الثالث والرابع، ولن يعود الكوكب إلى طبيعته المناخية إلا بعد أكثر من عقد، وعندئذ يكون معظم الناس قد ماتوا بالفعل، بعد أن فقد إنتاج الغذاء العالمي أكثر من 90% من حجمه.
في هذا السيناريو من المرجح أن يبقى أقل من ربع السكان على قيد الحياة حتى نهاية العام الثاني في معظم البلدان، بعد دمار مخزونات الأسماك العالمية وانهيار طبقة الأوزون، بخاصة أن الصين ستشهد انخفاضا في السعرات الحرارية الغذائية بنسبة 97.2% وفرنسا 97.5% وروسيا 99.7% والمملكة المتحدة 99.5% والولايات المتحدة 98.9%، ومن ثم فإن الناجين من التفجيرات في هذه البلدان سيموتون جوعا في نهاية المطاف.
وتشير نتائج هذه الدراسة -حسب الكاتب- إلى أن بعض البشر قد ينجون ويعيدون إعمار الكوكب في نهاية المطاف، وأن انقراض الإنسان العاقل غير متوقع حتى عند اندلاع حرب نووية واسعة النطاق، إلا أن معظم البشر سيتعرضون لموت مؤلم جدا جراء الحروق والإشعاع والمجاعة، وستنهار الحضارة الإنسانية، وسيعيش الناجون على كوكب قاحل ومدمر.