ماذا لو حدثت “أزمة ضمير”؟

يتساءل الكاتب السوري ياسين الحاج صالح:

ـ ترى لماذا لم تُثِر الجرائم التي ارتكبها إسلاميون في سوريا أزمة ضمير في أوساطهم أو أوساط متعاطفين معهم؟

سؤال ربما جديد على الحوار السوري / السوري، فالأحاديث السورية مازالت تتمحور حول:

ـ استبداد النظام وطغيانه، وصولاً إلى الاشتباك حول دستور البلاد، لبلاد تاهت بما يكفيها لتسمى:

ـ لابلاد.

سؤال ياسين الحاج صالح كما إجابته جدير بالحوار، فالرجل سيؤكد ما لايحتاج إلى براهين فـ ” الجرائم كبيرة، متواترة، وغير عارضة، على نحو مؤهل لامتحان عقيدة الإسلاميين، وخلاصتها أنه يمكن اشتقاق نظام حكم واجتماع صالح من الإسلام أو من الشريعة الإسلامية”.

وهنالك وقائع، الكثير من الوقائع وتطال “جيش الإسلام في دوما والغوطة الشرقية، وهيئة تحرير الشام في إدلب ومناطقها، وداعش في الرقة وغيرها هي أمثلة على التعذيب والتغييب والاستعلاء واسترخاص حياة الناس، مثل الحكم الأسدي، وليست أمثلة طيبة على أي شيء”.

ما بين ظفرين للحاج صالح، وكذا الإجابة عن سؤاله”مع ذلك لم تظهر علائم على أزمة ضمير، ربما تدفع نحو مساءلة هذه العقيدة العابدة للدين، المسؤولة بقدر كبير عما أحاق بالثورة السورية وركائزها الاجتماعية من دمار مادي وسياسي ومعنوي”.

هي أزمة ضمير، وحدهم الإسلاميون من الناجين منهاعلى عكس ماقد تحدثه صحوات الضمير وهكذا سيسوق أمثلة منها “حين أخذت تعرف جرائم النظام السوفييتي أثار ذلك أزمة ضمير متسعة في أوساط الشيوعيين والماركسيين بدءاً من ثلاثينيات القرن العشرين، وكان ذلك مما تسبب في نزف الشيوعية المعنوي والأخلاقي وصولاً إلى سقوط معسكرها قبل نحو ثلاثة عقود”.

من أصيبوا بأزمة ضمير تتلوها صحوة ضمير من الماركسيين وفق ياسين الحاج صالح “ظلوا ماركسيين، أو حتى شيوعيين، لكنهم عملوا على التمايز عن التجربة التي اقترنت بجرائم الستالينية، ثم بجمود فكري وسياسي خانقين”.

بالنتيجة “أسهموا بذلك في إنقاذ شيء من كرامة الفكر الاشتراكي، وكرامتهم كأشخاص وتيارات رفضوا أن يكونوا شهود زور”.

هذا عن الماركسيين لكن التاريخ لم يتوقف عندهم وحدهم، ولا صحوة الضمير فـ ” تاريخ الاستعمار أثار  أزمات ضمير، قادت بعض من خبروها إلى أن يقاتلوا إلى جانب المستعمَرين، وإن وقع ذلك في وقت متأخر. وانشق عن الصهيونية مثقفون ومتدينون يهود، يقف بعضهم بثبات إلى جانب الحق الفلسطيني”.

سيل من الأمثلة، ووحدهم الإسلاميون لم يختبروا صحوة الضمير إياها والسؤال:

ـ لماذا لا نكاد نتبين اليوم ما يشير إلى أزمة ضمير بين الإسلاميين والموالين لهم؟

هو سؤال ياسين الحاج صالح، وهاهو يجيب:

“قد يكون المانع الأول والأقوى هو سردية المظلومية القوية التي طورها الإسلام السني في العقدين الأخيرين، في منطقتنا وفي نطاقات أوسع. نظرية المؤامرة بين الإسلاميين ترتفع إلى مستوى نظرة إلى العالم، وإن تكن نظرة ضالة جداً في واقع الأمر. تلعب المظلومية دور درع واق، يحمي النفس من الشعور بما توقعه من ظلم على الغير، كما تحول دون التماهي بالغير، مما لا بد منه من أجل أزمة الضمير. يجب أن يكون الآخرون مثلي، أستطيع أن أشعر بما يشعرون، كي تنتابني وساوس الضمير، ولو متأخراً، بسبب ما تعرضوا له من ظلم على يدي أو أيدي من أنا منهم”.

فـ “المظلومية تساعد على الانحباس في النفس، وتالياً على امتناع التماهي أو الهوية المشتركة”.

في سوريا سارت الأمور بالعكس  خلال العقود الأخيرة نحو جوهرة الفوارق بين الجماعات الأولية، تحويلها إلى ما يشبه أعراقاً، وتقريب ما ألفنا تسميته بالطائفية من العنصرية. سرنا بعكس الاتجاه الذي قد يسمح بظهور أزمة ضمير، باتجاه تصلب النفوس والرسوخ في الكراهية والتوكل الأخلاقي على الجماعة. وفي هذا المسار ما يلقي ضوءاً على حقيقة أنه لم تظهر أزمة ضمير في وسط الموالين للنظام، وسواء من أجهزة التعذيب والقتل فيه أو حتى من الموالين غير الرسميين. بالعكس، كان صعود الإسلاميين عامل ترسيخ للتفاصل النفسي والأخلاقي، وهذا بقدر ما ساهمت جرائم النظام في إعطاء عموم الإسلاميين رخصة لممارسة الشر دون وخزات من الضمير”.

عقدة المظلومية هذه، هي الاسمنت الماسك لهذه العقيدة وقد انحدرت إلى مستوى القتل، القتل وحده وشريعته، وهي العقدة المتولدة من حوار السواطير وقد جمع:

ـ سلطة متوحشة، منحت للتوحش اديولوجيات وعقائد.. اديولوجيات هي الوجه الآخر لسلطة الاستبداد، فكانا البرتقالة وسرتها والواحد الذي لايكتمل سوى بالآخر، والمثال السورية وإن لم يكن يتيمًا فقد يكون:

ـ أكثر الأمثلة إيضاحًا لصورة استكمالها في مصر / الجزائر / تونس.

وفي كل بلد شهد مثال حافظ الأسد، وين العابدين، صدام حسين، والقائمة تطول,

Exit mobile version