مرصد مينا – هيئة التحرير
تصدرت أحداث كازخستان نشرات الأخبار العالمية خلال الساعات الـ 48 الماضية، وكانت الشرارة الأولى لهذه الأحداث زيادة أسعار الغاز الطبيعي المسال في مدينة جاناوزن بغرب كازاخستان، لتبدأ الاحتجاجات هناك وتمتد إلى ألماتي العاصمة الاقتصادية، وكبرى مدن البلاد، ليل الثلاثاء- الأربعاء، حتى وصلت إلى إحراق القصر الرئاسي، واقتحام المتظاهرين لمباني البلدية، فيما شهد يوم أمس الأربعاء أعمال شغب أدت إلى توقيف أكثر من مائتي شخص، واقتحام عدة آلاف من المتظاهرين مبنى إدارة المدينة، وتمكنوا من الدخول على الرغم من إطلاق الشرطة قنابل صوتية والغاز المسيل للدموع.
وكانت آخر احتجاجات شهدتها البلاد قبل 10 سنوات في مدينة جاناوزن، حين نشأت اضطرابات عنيفة بعد أن دخل عمال النفط في إضراب، تسبب في مقُتل أكثر من 10 أشخاص، عندما شنت السلطات حملة قمع على الاحتجاجات التي شارك فيها الآلاف بسبب انخفاض الأجور أيضاً. لكن هذه المرة كان المحرك الرئيسي لخروج آلاف المحتجين هو الارتفاع الحاد في أسعار غاز السيارات الذي يستخدمه كثيرون لتشغيل سياراتهم، بينما بررت الحكومة التي استقالت، هذه الزيادة، بزيادة الطلب ونقص الإنتاج.
انعكاسات أزمة قطاع الطاقة في كازاخستان، على مدار العام الماضي، انعكست على أكثر من جانب، أبرزها فشلها في توليد ما يكفي من الكهرباء، واضطرارها إلى الاعتماد على روسيا لتعويض انقطاع التيار الكهربائي. إلى جانب الوقود، ارتفعت، أيضاً، تكلفة الغذاء بشكل كبير، لدرجة أن الحكومة أصدرت في الخريف الماضي حظراً على تصدير الماشية وغيرها من الماشية الأصغر حجماً، فضلاً عن البطاطس والجزر.
الأزمة الحالية تأتي في وقت تجد فيه كازاخستان نفسها عند مفترق طرق سياسي؛ حيث يحكم البلاد قاسم جومارت توكاييف البالغ من العمر 68 عاماً، منذ عام 2019، خلفاً للرئيس السابق نور سلطان نزارباييف الذي حكم البلاد كأول رئيس بعد الاتحاد السوفياتي، لنحو 3 عقود.
وترك حكم نزارباييف طابعاً استبدادياً على بلاده، بسبب سياساته المتشددة تجاه حقوق الإنسان؛ لكنه، أيضاً، نجح خلال سنوات حكمه في جذب الاستثمارات الغربية في قطاع النفط والغاز، وبالتالي توليد ثروة لشعبه. كما نقل نزارباييف العاصمة من ألماتي في جنوب البلاد بالقرب من قيرغيزستان إلى مدينة أستانا، والتي تم تغيير اسمها إلى نور سلطان تكريماً له.
وتوعد الرئيس توكاييف الذي يُعد ثاني شخص فقط يقود الجمهورية السوفياتية السابقة منذ أعلنت استقلالها في 1991، بردٍّ قاس، واصفاً الاحتجاجات بأنها «فترة سوداء» في تاريخ البلاد. وقال في خطاب سابق الأربعاء: «بصفتي رئيساً، أنا ملزم بحماية أمن وسلامة مواطنينا، وبالقلق على سلامة أراضي كازاخستان». ووصف المحتجين بأنهم «متآمرون» تحركهم «دوافع مالية».
أسباب غضب الشارع ترتبط أيضاً، بسلفه الرئيس السابق نزارباييف الذي تولى منصباً قوياً في الأمن القومي منذ تنحيه عن السلطة. وقد فُصل من منصبه الأربعاء، في محاولة لتهدئة الاضطرابات المتصاعدة.
وهتف المحتجون بشعارات تحمل اسمه، وظهرت مقاطع فيديو تظهر أشخاصاً يحاولون إسقاط تمثال عملاق من البرونز للزعيم السابق.
تطورات ميدانية وتدخلات سياسية
الاحتجاجات العنيفة في البلاد تواصلت في كازاخستان اليوم الخميس، فقد اشتبكت قوات الأمن مع المحتجين في الساحة الرئيسية بمدينة ألماتي كبرى مدن البلاد، في حين أعلنت الشرطة أنه تم “القضاء على عشرات المهاجمين” ممن وصفتهم بالقوى المتطرفة الليلة الماضية، وبينما أرسلت روسيا قوات لحفظ السلام، صدرت مواقف من إيران ومنظمة الدول التركية وأطراف إقليمية ودولية.
ومع التطورات المتسارعة التي شملت إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد وتوقف الرحلات الجوية كليا من كازاخستان وإليها، أعلنت -اليوم الخميس- منظمة “معاهدة الأمن الجماعي” التي ترعاها روسيا أن موسكو أرسلت أول كتيبة من “قوات حفظ السلام” تلبية لطلب من الرئيس قاسم جومرت توكاييف.
التحالف العسكري هذا قال -في بيان نشرته عبر تطبيق تليغرام المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا- “أرسلت منظمة معاهدة الأمن الجماعي قوة جماعية لحفظ السلام إلى كازاخستان لمدة محدودة، من أجل ضمان استقرار الوضع وتطبيعه”، من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية إن قوة حفظ السلام في كازاخستان تضمّ قوات من روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وطاجيكستان وقرغيزستان.
ونشرت الوزارة صورا تظهر مغادرة مجموعة من المظليين الروس إلى كازاخستان، قالت إنهم سيشاركون في حماية المنشآت المدنية والعسكرية.
من جانبها أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن ما يحدث في كازاخستان “محاولة مدعومة خارجيا لتقويض أمن الدولة بالقوة” وأضافت -في بيان صدر اليوم الخميس- أنها ستتشاور مع كازاخستان والحلفاء بشأن اتخاذ خطوات إضافية لدعم “مكافحة الإرهاب”، وفق تعبيرها.
يوري شفيتكين نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي قال إن مهمة قوات حفظ السلام قد تستمر نحو شهر واحد للمساعدة في تحييد من يقف وراء الاضطرابات وأعمال الشغب، أما مجلس الاتحاد الروسي (الغرفة العليا للبرلمان) فقال إن من بين المحتجين في كازاخستان مسلحين قاتلوا في الشرق الأوسط والشرق الأدنى وأفغانستان.
من جهته، أكد المتحدث باسم منظمة معاهدة الأمن الجماعي فلاديمير زينت الدينوف أن قوات حفظ السلام التابعة للمنظمة باشرت عملها على الأرض في كازاخستان، وستتركز مهمتها على حماية المنشآت الحكومية والعسكرية.
وقال “بناء على طلب الرئيس الكازاخي قاسم جومرت توكاييف اتخذنا هذا القرار، تم إرسال قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى كازاخستان لمدة محدودة بهدف تطبيع الوضع في البلاد، بمشاركة قوات من أرمينيا وبيلاروسيا وقرغيزيا وروسيا وطاجيكستان”، موضحا أن الأهداف الأساسية لمهمة قوات حفظ السلام تتلخص في حماية المنشآت الحكومية والعسكرية المهمة، والمشاركة في جهود الأمن الكازاخي في استعادة الأمن والاستقرار، وإعادة الأوضاع إلى مناخها القانوني.
من ناحية أخرى، قالت السفارة الأميركية في كازاخستان -اليوم الخميس- إنها تراقب الوضع من كثب، وأعلنت إدانتها أعمال العنف وتدمير الممتلكات، ودعت السفارة كلا من السلطات والمتظاهرين إلى ضبط النفس واحترام المؤسسات، كما حثت جميع الأطراف على التوصل إلى حل سلمي، وطالبت بعودة الإنترنت.
وفي إيران قال المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده إن بلاده تتابع بدقة تطورات الأوضاع في كازاخستان، وإن لديها قناعة كاملة بأن الحكومة والشعب في كازاخستان لديهما القدرة على حل خلافاتهما عبر الحوار، وبطرق سلمية، من دون تدخل قوى خارجية، خطيب زاده أضاف أن استقرار كازاخستان وأمنها يحظيان بأهمية قصوى لدى إيران، وأنه يجب عدم إيجاد أرضية تسمح لجهات أجنبية باستغلالها كما أعرب عن أمله أن يعود الهدوء والاستقرار إلى كازاخستان في أقرب فرصة.
في السياق ذاته، أصدرت منظمة الدول التركية بيانا أكدت فيه أهمية خاصة للسلام والاستقرار في كازاخستان. وجاء في البيان “ندعم كازاخستان، الدولة العضوة في منظمتنا، ونودّ التعبير عن ثقتنا بحكمة الشعب الكازاخي الشقيق ورغبته في العودة للوضع الطبيعي في بلاده”.