يبدو أن لبنان لن يكون بمنأى عن حمى المظاهرات التي اجتاحت مؤخراً دولاً في المنطقة، وذلك في ظل تنامي الأزمة الاقتصادية في البلاد، وتردي الأوضاع المعيشية المترافقة مع موجة غلاء رفعت من معدلات الفقر في بلدٍ لم يعرف الهدوء منذ عقود طويلة.
على الرغم من كل تلك المعطيات التي يمكن أن تكون للوهلة الأولى سبباً مباشراً لاندلاع أي تظاهرات أو احتجاجات، إلا أن هناك من طرح إشارات استفهام حول ما يريده اللبنانيون من حراكهم، لتظهر أصوات متسائلة ماذا يريد الشعب؟.
مظاهرات أم معركة لاستعادة الدولة
البعد الاقتصادي للمظاهرات التي شهدتها بيروت مؤخراً، لا يخفي العمق السياسي لها، خاصة وأن المحتجين لم يطالبوا فقط بمعالجة الأزمة وإنما أيضاً بالتخلص من العوامل التي أدت إليها، لا سيما بعض السياسيين والمسؤولين في الحكومة.
عدد من المعلقين اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلوا مع ما يشهده بلدهم، لافتين إلى أن السياسة المتبعة فيه كانت السبب الرئيسي في ما يعانيه من مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية، خاصة سياسة الانتماءات الخارجية والانخراط في معسكرات وتحالفات إقليمية لا تخدم مصالح البلاد، في إشارة إلى سياسة حزب الله تجاه إيران والتي ورطت لبنان في عدد من الحروب مع إسرائيل، إلى جانب الإضرار بالعلاقات العربية التي كان من الممكن أن تؤمن فرص استثمار حقيقية لدعم الاقتصاد اللبناني، في حال لو أنها سارت بالشكل الصحيح.
“حمود طرابلسي” كان واحداً من الحسابات التي علقت على الاحتجاجات بتغريدة على موقع تويتر، حيث حمل حزب الله وفرض نفسه على الحكم في لبنان مسؤولية تردي الأوضاع المعيشية وتراجع الحريات، مضيفاً: “مع وصول الرئيس عون إلى الرئاسة جراء تحالفه مع الحزب؛ بات حسن نصر الله هو الحاكم الفعلي للبنان بغض النظر عن شخص رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب، وبالتالي فإن سياسته وتقاربه مع إيران؛ حوَّل لبنان إلى بقعة معزولة في الوسط العربي”.
كما اعتبر حساب آخر باسم “جو صليبا” أن اختطاف حزب الله للدولة اللبنانية وتسخير إمكانياتها لدعم المشروع الإيراني، جعل الاقتصاد اللبناني مرتبطاً باقتصاد طهران المتهاوي أصلاً بفعل العقوبات الأمريكية، مضيفاً: “يا خيي رجعولنا الدولة ونحن بنصلحها، ما تخلوها عاملة متل مدينة إيرانية”.
معلق آخر باسم “محمود” كتب على موقع تويتر: “أزمتنا واضحة الكل رافضنا ورافض يتعامل معنا لأن سماحته بده يفوت الجنة بطاعة خامنئي على حساب لبنان واللبنانيين، كل يومين ضرب مع اسرائيل وزعرانات ضد العرب، دخلكن شو إجانا من الإيراني، لبنان أولاً ولبنان أخيراً يا سماحة السيد”.
شيعة وساسة ضد ممارسات الحزب
تصاعد الوقفات الاحتجاجية وتواصل انتشارها، دفع للتحذير من اتباع الحزب سياسة مشابهة لسياسة النظام السوري في التعامل مع الثورة السورية، حيث كتب الداعية الشيعي “حسن سعيد مُشَيْمِشْ” على تويتر: “حسن نصر الله المجرم الأكبر ساهم بحرق سوريا وشعبها حينما اعترض الشعب السوري المظلوم على طاغوت دمشق بشار، وحسن نصر الله سيحرق لبنان طاعة لأوامر صنم إيران خامنئي فيما لو اعترض شعب لبنان على سلاحه الغادر الفاجر الماكر القاتل المتوحش فما هو الحل ليستعيد اللبنانيون سيادة دولتهم؟”.
النائب والوزير اللبناني السابق “وليد جنبلاط” من جهته علق في تغريدة على صفحته في تويتر منتقداً ما وصفه فساد السلطة الحاكمة، مضيفاً: “في مواجهة الغضب الشعبي المشروع وفي انتظار تدابير حكومية جدية في ظبط الحدود والتهرب الضريبي واقرار الضريبة التصاعدية الموحدة والحد من امتيازات الطبقة الحاكمة وتسكير السفارات المنتشرة دون جدوى والافادة من الاملاك البحرية وظبط الفساد جديا واعتماد مناقصات شفافة لردع الرأسمال المشبوه”.
من بين المنتقدين للوضع السياسي اللبناني كان الرئيس السابق “ميشال سليمان” الذي كتب على صفحته على موقع تويتر: “حتى لو سلمنا جدلاً ان ضغوطاً تفرض ومؤامرات اقتصادية تحاك، فلا مناص من الاصلاحات التي تبدأ بترشيد الموقف السياسي والسيادي الذي يخدم البلاد”.
حزب الله وسياسة التجاهل الإعلامي والقوة سيدة للموقف
بحسب ناشطين لبنانيين فإن تجاهل القنوات والوسائل الإعلامية التابعة لحزب الله للمظاهرات؛ واقتصار التغطية على جانبٍ ضيقٍ منها؛ يشير إلى أن الحزب شعر بأنه المعني الأول في الحركة الشعبية، خاصة مع ترديد المحتجين عبارات “الشعب يريد إسقاط النظام”، لافتين إلى أن حزب الله ومن ورائه إيران هم حجر الزاوية في النظام الحاكم اليوم في لبنان؛ يضاف لهم مؤسسة رئاسة الجمهورية مع وصول “ميشال عون” إلى الحكم، والمؤسسة العسكرية التي يترأسها أحد أقربائه.
وأضاف الناشطون: “لا يمكن تجاهل أن حزب الله والتيار العوني وبعض التيارات الأخرى الدائرة في فلكهم، تمتلك ثقلاً معطلاً لعمل الحكومة”، مشيرين إلى أن القوى الأمنية اللبنانية استعملت القوة مع المتظاهرين في ساحتي رياض الصلح والشهداء، كما أقامت حاجزاً بشرياً أمام مبنى الواردات المالية.
أحجار الدومينو
وكالات إعلامية لبنانية؛ أشارت إلى أن الاجتجاجات رغم أنها بدأت في مناطق من بيروت إلا أنها أخذت بالاتساع بشكل ملحوظ لتمتد إلى مناطق ومدن مختلفة، ضمن شعار واحد “الشعب يريد إسقاط النظام”، في إشارة إلى وحدة المطالب حتى وإن اختلفت جغرافيا انتشار المظاهرات.
الوكالات أيضاً أوضحت أن تجاوب مئات اللبنانيين لدعوات الاعتصام في ساحات وسط بيروت خلال فترة قصيرة، يشير إلى أن رقعة الاحتجاجات قد تتسع خلال الفترة القادمة، وتحديداً في المدن الكبرى، حيث نشر موقع “المدن” اللبناني، مجموعة من الشعارات التي رفعها المتظاهرون من قبيل “حلّوا عنا”، ومبادرة “وعي”، و”الشعب يريد إسقاط النظام”.
كما كشف الموقع عن بعض التيارات الشعبية التي شاركت في المظاهرات كمنصة “تعا نحكي”، و”مقاومون ضد الفساد”، و”التيار الأسعدي”، و”حزب سبعة”، و”الحركة الشبابية للتغيير”، وأفراد من الحزب الشيوعي اللبناني، وغيرهم من الأحزاب اليسارية، ليتحول لاحقاً إلى تظاهرة شعبية جالت في وسط العاصمة وانتهت بحركات شغب وقطع جميع الطرق المؤدية إلى وسط بيروت.
في السياق ذاته، أكدت الوكالة الوطنية للاعلام أن عدد من المواطنين أغلقوا أمس طريق المصنع الواصل بين سوريا ولبنان لبعض الوقت، وذلك بالتزامن مع الدعوات لتنفيذ اعتصام مفتوح وسط بيروت حتى سقوط الحكومة.
كما ذكرت الوكالة أن مجموعة من المعتصمين قطعت أيضاً الطريق تحت جسر الرينغ الذي يربط وسط العاصمة باتجاه بشارة الخوري في الاتجاهين، كما تم قطع الطريق في النفق الذي يربط الحمرا بطريق سليم سلام بالاطارات المشتعلة.
واتسعت رقعة الاحتجاجات في لبنان يوم الجمعة الماضي لتصل إلى مدينة بعلبك، حيث تجمع عدد من المحتجين على تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي، كما قطعوا الطريق الدولية عند دوار بلدة دورس لجهة مدخل بعلبك الجنوبي.
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي