مرصد مينا
فاز الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دا سيلفا (77 عاما) بالانتخابات الرئاسية مرة أخرى، وكان قبل ثلاث سنوات فقط نزيلا في أحد سجون البرازيل بتهمة الفساد، قبل أن تتم تبرئته ومن ثم عودته للحياة السياسية، وقلب الطاولة على الرئيس اليميني المنتهية ولايته جايير بولسونارو.
يشار أن سنوات حكمه كانت الأكثر ازدهار بالنسبة للبلاد حيث كانت تمتلك سابع أكبر اقتصاد، هو ما أكد عليه خلال حملته الانتخابية بأن المواطن البرازيلي العادي كان يستطيع شراء أي شيء في سنوات حكمه
دا سيلفا ابن لأسرة فقيرة ضمن المزارعين الأميين عمل وهو في العاشرة من عمره بائعا للفول السوداني وكذلك ماسحا للأحذية، وعندما اشتد عوده، التحق بوظيفة عامل بأحد مصانع الصلب قرب ساو باولو حيث هناك فقد إصبعا من كف يده اليسرى بستينيات القرن الماضي.
لم يكن دا سيلفا مغرما بالسياسة ولكنه انجذب إلى العمل النقابي بعد وفاة زوجته الأولى إثر مرض كبدي عام 1969، قبل أن يتم انتخابه رئيسا لاتحاد عمال الصلب الذي كان يضم في عضويته آنذاك 100 ألف شخص (العام 1975)، ومن ثم تحول من منظمة صديقة للحكومة إلى حركة مستقلة قوية.
وفي الثمانينيات، أسس لولا حزب العمال وهو أول حزب اشتراكي في تاريخ البرازيل. لذلك يعد دا سيلفا أول رئيس للبرازيل من صفوف الطبقة العاملة الكادحة.
وعقب فوزه، تعهد لولا بالعودة إلى النمو الاقتصادي الذي تقوده الدولة والسياسات الاجتماعية التي ساعدت في انتشال الملايين من براثن الفقر عندما حكم البرازيل من عام 2003 إلى عام 2010.
كما وعد بمكافحة تدمير غابات الأمازون المطيرة الذي وصل الآن إلى أعلى مستوى له منذ 15 عاما وكذلك جعل البرازيل رائدة في محادثات المناخ العالمية.
ومثل التصويت أيضا رفضا للشعبوية اليمينية المتطرفة لبولسونارو، الذي خرج من المقاعد الخلفية للكونجرس لتشكيل ائتلاف محافظ جديد لكنه فقد الدعم بعد أن سجلت البرازيل واحدة من أسوأ حصيلة وفيات بسبب جائحة كوفيد-19.
ويرى المراقبون أن لولا سيواجه صعوبات جمة لتكرار نجاحه السابق بسبب التحولات الجذرية السياسة والاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، وكذلك في ظل برلمان أكثر يمينية منذ الانتخابات التشريعية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول إذ يشهد تمثيلا قويا للحزب الليبرالي بزعامة بولسونارو.
وأوضحو ا أنه في فترتي حكم لولا السابقتين كان نمو اقتصاد البلاد مدفوعا بالطلب العالمي القوي على السلع البرازيلية مثل فول الصويا والنفط الخام، إلى جانب اكتشاف كميات كبيرة من النفط في البلاد.
إلا أن البرازيل كغيرها من دول العالم تحاول تجاوز التداعيات الاقتصادية لحرب أوكرانيا وجائحة كورونا، في الوقت الذي تحارب فيه التضخم الذي وصل لأكثر من 10% وارتفاع أسعار الوقود. كما أن لولا لن يصطدم فقط بخصومه المباشرين من معسكر اليمين، وإنما سيواجه أيضا أزمات من قطاع من معسكر اليسار الذي ينتمي إليه.
نشأة لولا دا سيلفا
تختلف نشأة وطفولة لولا دا سيلفا عن باقي الزعماء، فهو قد نشأ في أسرة فقيرة، أصلها من الشمال الشرقي للبرازيل. وقد كانت طفولة دا سيلفا قاسية، حيث علمته والدته كيف يمشي مرفوع الرأس. كتب ريتشارد بورن في الجزء الأول من كتابه «لولا البرازيل» عن طفولة دا سلفيا، وجاء عنوان هذا الجزء بعنوان «قاسية وصعبة»، انتمى لولا دا سيلفا لأسرة مكونة من 7 أولاد وبنات، سافر أبوه مع ابنة عمه بعد أسبوعين فقط من مولد دا سيلفا إلى ساو باولو، للبحث عن عمل ثم انقطعت أخباره بعد فترة قصيرة، فظنت والدة لويس أنه وجد وظيفة وبالتالي سافرت هي الأخرى إلى ساو باولو ومعها أطفالها. ولكن سرعان ما اكتشفت أن زوجها تزوج من ابنة عمه بعد أن عاشوا قصة حب سرية. ولذلك اضطرت أن تسكن في غرفة واحدة في منطقة فقيرة في هذه المدينة. ولقد لعبت «أريستيدس» والدة دا سيلفا دوراً كبيراً في حياته وتكوين شخصيته، واعترف دا سيلفا بذلك قائلاً:
«لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس وكيف احترم نفسي حتى يحترمني الآخرون.»
بدأ لولا دا سيلفا مشواره التعليمي في سن مبكر، ولكنه توقف عن التحصيل الدراسي في سن العاشرة من عمره عندما كان في السنة الخامسة من التعليم الأساسى بسبب الفقر الشديد والظروف الصعبة التي كانت تمر بها العائلة. ولكن تلك الظروف الصعبة ساهمت في بناء شخصيته، وظهر هذا عندما تولى حكم البرازيل ووجه اهتمامًا كبيرًا للفقراء.
فترة الشباب
يتمتع لولا دا سيلفا منذ شبابه بالصبر والتحمل وكان يؤمن بالروح الثورية والتغيير، نتيجة للظروف الصعبة التي مر بها في طفولته، والتي اضطرته للعمل كماسح للأحذية لفترة طويلة في شوارع ساو باولو، وكصبي في محطة وقود، ثم حرفي في ورشة، وبعد ذلك مكانيكي لإصلاح السيارات، وبائع خضروات لكن كل هذه الظروف جعلت منه رجلًا قويًا. وانتهى به الحال كمتخصص في التعدين بعد التحاقه بمعمل «فيس ماترا» حيث نجح في الحصول على دورة تدريبية لمدة 3 سنوات من هناك.
تعرض لحادثة في سن ال19 من عمره، أثناء عمله في إحدى مصانع قطع الغيار للسيارات، أدت إلى فقدانه أصبعه خنصر في يده اليسرى. وكان السبب في هذا هو إهمال صاحب المصنع الذي كان يعمل به. وبعد هذا الحادث انضم دا سيلفا إلى نقابة عمالية بهدف تحسين أوضاع العمال. لأنه عانى الكثير ليحصل على علاج. وأثرت تلك الحادثة في نفسية لولا، حيث بدأ يفكر في حق العمال، ومدى أهمية العدالة الأجتماعية بين مختلف الطبقات. وهذا الأمر دفعه للمشاركة في اتحاد نقابة العمال، بهدف الدفاع عن حقوق العمال وتحسين مستواهم وليحررهم من قسوة أصحاب الأموال عليهم.
لولا البرازيل
انتخب رئيسًا عام 2002، ثم أعيد انتخابه سنة 2006 بعد فوزه بـ 60% من الأصوات. تسلم الرئاسة للمرة الأولى في 1 يناير 2003 وحتى 1 يناير 2011 اختير كشخصية العام في 2009 من قبل صحيفة لوموند الفرنسية، وصنف بعد ذلك في السنة التالية حسب مجلة التايم الأمريكية كالزعيم الأكثر تأثيرا في العالم. كما لقب بأشهر رجل في البرازيل من الجيل الحديث، بل ولقب بأشهر رجل في العالم. قدم دا سيلفا العديد من برامج الإصلاح الإجتماعي لحل مشاكل كالفقر؛ من خلال إيقاف عمليات تصنيع الأسلحة، وقد لعب دا سيلفا دورًا هامًا في تطور العلاقات الدولية، بما في ذلك البرنامج النووي لإيران ومشكلة الاحتباس الحراري. ووصف بأنه «رجل صاحب طموحات وأفكار جريئة من أجل تحقيق توازن القوى بين الأمم». في 1 أكتوبر 2011 أصيب دا سيلفا الذي كان من المدخنين لأكثر من 40 عاما بورم خبيث وخضع للعلاج الكيميائي حتى تعافى من المرض بشكل كامل، وعاد للحياة السياسية. في يوم 12 يوليو 2017 أصدر القضاء البرازيلي حكما بالسجن مدة تسع سنوات وستة أشهر على الرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بتهم الفساد وغسل الأموال. وفي 9 نوفمبر 2019 خرج دا سيلفا من السجن بعد ما ان أطلق سراحه وكان قد قضى فيه أكثر من عام ونصف العام. وغداة خروجه، توجه لولا إلى مقر نقابة عمال الحديد في ساو باولو التي ترأسها سابقا. ولدى وصوله إلى مقر النقابة، احتشد مناصروه وتهافتوا لمعانقته ومصافحته.