مرصد مينا – هيئة التحرير
تفاصيل جديدة أو ما يمكن وصفه بكوارث جديدة تكشف عنها حملة الحكومة العراقية ضد شبكات الفساد في البلاد، مع تسريب وثائق خاصة بمافيات النفط المرتبطة بالميليشيات العراقية المدعومة من إيران، والتي مثلت طيلة نحو عقدين من زمان قنوات تدفق ملايين الدولارات إلى طهران على حساب الشعب العراقي.
وكانت حملة الاعتقالات بحق مسؤولين ماليين عراقيين قد كشفت عن انتهاكات كارثية وعمليات سرقة هائلة تحدث في المصرف المركزي ومؤسسات النفط العراقي والتي كانت تصب عائداتها في خزينة النظام الإيراني، بحسب ما أظهرته وثائق مسربة
عمليات استيراد وهمية..
تعليقاً على عمليات الفساد في المؤسسات المالية العراقية، يشير الباحث الاقتصادي، “رؤوف عبد الرضا” لمرصد مينا، بأن تلك العمليات تبدأ من لحظة استخراج النفط من آبار العراق وصولاً إلى إيداع عائداته في مصارف إيران، لافتاً إلى أن المرحلة الأبرز من علميات الفساد تلك تتمثل في طلبات تمويل مستوردات وهمية يقدمها مستثمرون عراقين للحصول على الدولار من المصرف المركزي العراقي، والتي يتم تحويلها بشكل مباشر إلى إيران.
إلى جانب ذلك، يربط “عبد الرضا” عمليات الفساد في قطاع النفط والمصرف المركزي، بالحماية التي كانت توفرها الميليشيات للمسؤولين في القطاعين المذكورين، بالإضافة إلى المسؤولين في جهاز الاستثمار، ما مكنهم من ارتكاب مخالفات جسيمة لخدمة الاقتصاد الإيراني على حساب العراقيين.
وكان رئيس الحكومة العراقية قد أصدر قرارات بإحالة عدد من المسؤولين الاقتصاديين الحاليين إلى القضاء، بتهم الفساد بينهم، محافظ المركزي العراقي “علي العلاق”، ومسؤولين في قطاع الاستثمار.
الطامة الكبرى، في ملف الفساد المذكور وفقاً للمحلل المالي، “عبد الكريم الربيعي”، تكمن في انتهاك المصرف المركزي العراقي لسقف المبيعات اليومية للدولار، لافتاً إلى أن مسؤولي المصرف كانوا يمولون الشركات الوهمية يومياً بما يصل إلى 200 مليون دولار، في حين أن المبلغ المقر بالموازنة العامة يحدد سقف ضخ الدولار بـ 75 مليون دولار يومياً.
كما اعتبر “الربيعي” أن تلك الخطوة في عمليات الفساد كانت تستنزف الميزانية العراقية وتبدد الدولار وتفقد العراق مداخل النفط، التي تعتبر شريان الحياة للاقتصاد الوطني، على حد وصفه، خاصةً وأنها كانت تذهب إلى مصارف إيران بدلاً من استيراد السلع.
شبكة متكاملة..
الحديث عن تصاعد الفساد في العراق، لا يكتمل دون المرور على دور الميليشيات المسلحة الموالية لإيراني، يقول الخبير الأمني، “أمير علاوي”، لافتاً لمرصد مينا، إلى أن الميليشيات ومن خلال سلاحها كانت تلعب دوراً كبيراً في حركة انسياب الدولار إلى إيران، بدءاً من فرضها تعيين مسؤولي المؤسسات المالية والمصرفية، الذين كانوا يسهلون عملية تمويل شركات الاستيراد الوهمية، إلى جانب فرض التعامل مع شركات صرافة محددة مرتبطة بإيران، لكسر الحصار الاقتصادي المفروض على النظام الإيراني، ومنع محاسبة رؤوس الفساد من قبل القضاء.
كما يعتبر “علاوي” أن سلاح الميليشيات كان حجر الأساس في تأسيس شبكة حكم متكاملة في البلاد، سيطرت على مدار 17 عاماً على كامل المفاصل السياسية والعكسرية والأمنية وحتى الاقتصادية، موضحاً: “نفوذ إيران كان قائماً على الميليشيات وما خلفته من مجموعة من مافيا المال والسياسة”.
وكانت منظمات عراقية شبه رسمية، قد أشارت إلى أن حجم الفساد في العراق، بلغ ما يتراوح بين 500 إلى 1000 مليار دولار منذ عام 2003، وهو ما يتجاوز ميزانيات دول مجتمعة، على حد وصف تلك المنظمات.
استكمالاً للحديث عن الميليشيات ودورها في أزمات العراق، يصف الباحث الاقتصادي، “محمد عبد السلام”، تلك الميليشيات بـ “علقة العراق” التي تطفلت على أموال الشعب، مشيراً إلى أن تلك المئات من الملايين ذهبت إلى إيران في حين يعاني العراق من مديونية تصل إلى 133.3 مليار دولار، وارتفاع العجز في الموازنة العامة إلى 45 مليار دولار أميركي في موازنة العام الحالي.
في السياق ذاته، يؤكد “عبد السلام” أنه لا يمكن مكافحة الفساد ووقف حالة النزيف الاقتصادي العراقي بعزل مسؤول أو اثنين أو خمسة مسؤولين، دون العمل على الحد من سلاح الميليشيات وتأثيره على الحياة العامة في العراق، على اعتبار أنه حجر الزاوية في تلك عمليات الفساد وتهريب الأموال إلى إيران.
ثرواتهم من فقرنا..
على المستوى الشعبي، يعتبر الناشط المدني، “محمد”، اسم مستعار لضرورات أمنية، أن الإحصائيات والتسريبات الخاصة بالفساد، مؤشراً على أسباب الانتفاضة العراقية، وأن الميليشيات بأحزابها ووقياداتها ونوابها، هم أعداء للشعب العراقي، بسنته وشيعته، مضيفاً: “من قتل السنة في العراق بالرصاص خلال حربه الطائفية، يقتل الشيعة اليوم بالفقر والجوع والقهر، فثرواتهم وترفهم ارتبط بفقرنا وبؤسنا”.
وكان العراق قد شهد عام 2006 اندلاع مواجهات طائفية بين الميليشيات المرتبطة بإيران ومجموعات سنية مسلحة، في أسوء حرب أهلية شهدها العراق في تاريخه، والتي استمرت حتى عام 2008، مساهمةً في تثبيت نفوذ الميليشيات وسلاحها على الساحة العراقية، والذي تعمق بعد الاتفاقية الامنية الموقعة بين حكومة “نوري المالكي” وإدارة الرئيس الأمريكي، “باراك أوباما” عام 2010.
إلى جانب ذلك، يؤكد “محمد” في حديثه مع مرصد مينا، أن ممارسات الميليشيات بكامل مجالاتها السياسية والعسكرية والمالية، تثبت أنهم الأعداء الحقيقيين للعراق والعراقيين بكامل طوائفهم وانتماءاتهم، مشيراً إلى أن الفقر والجوع والبطالة والمرض، الناجم عن تلك الممارسات بات متفشٍ في كامل مدن ومحافظات العراق، وأن سلاح الميليشيات لم يعد يميز بين أياً من أبناء العراق، في حال هتفوا ضد إيران ونفوذها، وهو ما أثبتته أيضاً سياسة قتل المتظاهرين والناشطين خلال ثورة تشرين الأول الماضي.
ويشهد العراق منذ تشرين الأول 2019، حركة احتجاجات واسعة تركزت في المناطق الجنوبية، ذات الغالبية الشيعية، والتي طالبت بإسقاط سلاح الميليشيات والنظام السياسي، والحد من النفوذ الإيراني ومحاربة الفساد، تزامناً مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في البلاد إلى أكثر من 20 في المئة، بالإضافة إلى تصاعد انتهاكات الميليشيات لحقوق العراقيين وإنشاءها عشرات المعتقلات السرية.