كرر مرات بالتلميح وواحدة بالتصريح أن خصمه الرئاسي مارين لوبان “بوتينية”، وقد يكون استثمار هذه “التهمة” بالإضافة للموقف من المسلمين الفرنسيين والحجاب، واحدًا من أسباب فوزه “المرجّح” في الانتخابات الفرنسية الراهنة، عقب المناظرة التلفزيونية التي جمعتهما ” مانويل ماكرون، ومارين لوبان، وقد باتت البوتينية تهمة أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية وربما قبلها بوقت طويل.
هي تهمة، ولكن عالم الغرب بات منشغلاً بها وليس الفرنسيون فحسب، فالتايمز البريطانية نشرت مقالا للمحلل السياسي آدم ساج حول تأثير دبلوماسية ماكرون تجاه روسيا على حظوظه في الانتخابات، وكان ساج قد قال فيما كتب إن إعلان الرئيس الفرنسي تعليق مكالماته الهاتفية المعتادة مع الرئيس فلاديمير بوتين يمثل اعترافا ضمنيا بالفشل في محاولته “للحوار” مع موسكو، ورجّح ساج أن عددا قليلا من الناخبين الفرنسيين قد لاحظوا إعلانه، الذي حظي بتغطية ضئيلة في وسائل الإعلام في البلاد، وفق ما ذكر الكاتب.
ماكرون كان قال ذلك خلال مقابلة مع قناة “فرانس 5” التي ركزت على رفضه وضع “خط أحمر” بشأن غزو أوكرانيا لأن “ذلك سيعني الدخول في حرب مع روسيا، القوة النووية”.
وذكر الكاتب أن المرشحين المتنافسين في الجولة الأولى من الانتخابات لم يحاولوا انتقاد إصرار ماكرون على ضرورة مواصلة الحديث مع بوتين.
وأشار إلى مارين لوبان، منافسته الوحيدة في الجولة الثانية، تجاهلت تغيير موقفه “بعد المذابح في بوتشا وأماكن أخرى”.
ساج أضاف قائلا إن هناك أسبابا تجعل لوبان تبتعد عن ذكر الموضوع، مشيرا إلى تأييدها لسياسات الكرملين منذ فترة طويلة، وإلى منعها من دخول أوكرانيا منذ عام 2017 بعد دعمها ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم.
كما أنها اضطرت إلى التخلص من كتيبات انتخابية طبعت في بداية الحملة بسبب صورة لها مع بوتين، وقال إن لوبان، وإن بقيت من أشدّ المؤيدين لمفاوضات مع روسيا، فهي سعيدة بإبقاء الموضوع بعيدا عن الأضواء.
ورأى أن الحرب في أوكرانيا يبدو أنها فاجأت فرنسا بكاملها، لافتاً إلى أنه لطالما اعتقدت باريس أنها على علاقة مميزة بموسكو، وإلى أن الناخبين الفرنسيين عموما أكثر تسامحا مع الروس مقارنة مع البريطانيين.
وأشار إلى أن ماكرون لم يتعرض للانتقادات بسبب “مغازلة” بوتين، التي بدأت بدعوته إلى قمة فخمة في قصر فرساي عام 2017.
وختم قائلا إن “الوحشية الروسية في أوكرانيا أثارت الرعب”، لكنها أثارت الإرتباك أيضاً في فرنسا، حيث لا رغبة كبيرة في نقاش سياسي حول الاستراتيجية الدبلوماسية للبلاد.
ليست التايمز وحدها من تناولت الموضوع، فالغارديان لابد وأدلت بدلوها، حتى أنها عنونت والبونط العريض “مؤيدو بوتين الرئيسيون يلعبون لعبة يائسة لحفظ ماء الوجه في أوكرانيا”.
المناظره إياها، لم تكن مناظرة بين مرشحين رئاسيين فرنسيين فحسب، ربما تخطت ذلك لتكون مناظرة ما بين تيارين فرنسيين، يشبهان بقية العالم المنقسم اليوم ما بين الدولة القومية، ودولة الفضاءات الواسعة، ودون ريب، فالدولة القومية هي دولة اليمين المتدرج ما بين الهوية المغلقة، والهوية التي لاتخلو من عنصر مشاعر التفوق التي تنفي الآخر وتقصيه، فالإسلام على سبيل المثال، وهو يحضر اليوم في التيارات الاوربية “سلبًا وإيجابًا”، كما قضية “المهاجرين”، بات عنوانًا لتيارات جزء منها يقوم علىى استئصاله من الحياة والمجتمعات الأوربية، وجزء آخر يشتغل على تكييف الإسلام مع القيم الأوروبية، وقد يتخطى هذا الحوار حدود الرأي وظلاله، إلى حملات واسعة ربما يأخذها اليمين الأوروبي المتطرف لينتج “فاشية” جديدة، ستقابل بتطرف إسلامي جاهز للخروج من قمقمه إلى حرب شوارع في عواصم أوروبية مختلفة، ومجمل القضية تبدأ من “مناظر تلفزيونية”، ما بين “بوتينية” في مقعد و”ليبرالي” في المقعد المقابل، والنيران تلتهب من شعلة صغيرة لتطال االغابة مجمل الغابة.
اوروبا عرضة لهذا النوع من الحرائق، والإسلام الراديكالي جاهز ليكون الطرف الآخر في لعبة الاحتراق هذه.
أوروبا على المفترق، والحرب الروسية الأوكرانية، فتحت الطريق لأوروبا جديدة، قد تكون:
ـ اوروبا الغابة، أو :
ـ اوروبا الإنسان وحقوق الإنسان.